الدعوة التي تقدم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي الأسبوع الماضي لقيام تعاون عربي مشترك لمواجهة داعش هي دعوة في محلها، وتأتي في السياق الصحيح لمواجهة خطر مثل هذا التنظيم. فتنظيم داعش هو تنظيمٌ إرهابيٌ يهدد أمن واستقرار المنطقة العربية عبر نشر فكر التطرف وإثارة الفتن وتمزيق التجانس الوطني لدول المنطقة. فالحاجة ماسة لعمل عربي مشترك وفعال لمواجهة مثل هذا الخطر. لذلك نقول إن دعوة الرئيس المصري جاءت في محلها وفي وقتها، حيث لا تتحمل المنطقة مزيداً من التأجيل لمثل هذا العمل المطلوب.

ورغم دعمنا لهذه الدعوة إلا أن الواقع لنا كمحللين سياسيين ينطلق من قناعة أن الأخطار على المنطقة يجب ألا تتجزأ، أي أنها من المفترض ألا تقف عند حد تهديد تنظيم داعش، بل لا بد أن يتعداه إلى النظر في التعامل أيضاً مع أخطار عدة أخرى لها بالغ الأثر على الأمن العربي وبحاجة إلى عمل عربي مشترك وفعال. فالإرهاب لا يتوقف عند حد ما يقوم به داعش، ولكن يمتد أيضاً ليشمل أطرافاً أخرى تحمل أجندات مهددة للأمن والاستقرار في المنطقة، منها القاعدة والطائفية وجماعات العنف السياسي.

فالقاعدة وإن كانت لا تُقطع الرؤوس إلا أنها تنشر الرعب في سبيل تحقيق أهداف أجندتها وهي ساس البلاء، والطائفية وإن كانت حقا مشروعا إلا أن استغلالها من البعض إنما يضرب التجانس والسلم الأهلي في الأوطان، والسياسة وإن كانت ساحة للجميع إلا أنها لا يمكن أن تكون وسيلة للإقصاء وفرض السيطرة عبر العنف المسلح وإنهاء سيادات الدولة الوطنية من قبل بعض الجماعات.

إذاً داعش ليس الخطر الوحيد في المنطقة العربية، وبالتالي فإن الحاجة دائماً هي لعمل عربي موحد لمواجهة كل تلك الأخطار وليس فقط مواجهة داعش. فداعش هو أحد الأخطار وإن كان دوره هو الأبرز عند البعض اليوم، إلا أن الأخطار الأخرى تتوغل وتعمل بشكل قد يكون هادئا أو بشكل يستثمر الانشغال العالمي بداعش لتحقيق أهدافه.

فالقاعدة لم تضعف على الإطلاق بل هي حاضرة وبقوة، وما أحداث صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية وتبعاتها إلا دليل على ذلك؛ والطائفية لم تتراجع فهي محتدمة في العديد من المناطق مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان وإيران وباكستان وأفغانستان؛ والعنف السياسي لم يتوقف حيث مازالت ترفع بعض الجماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين راية المواجهة ضد الأنظمة في العديد من الدول.

ومازال فوق ذلك كله هناك خطر الإخلال بتوازن القوة لصالح قوى لا تريد الأمن والاستقرار للمنطقة العربية، بل وتعمل على زيادة إمكانياتها لتحقيق التفوق العسكري، وكذلك زيادة فرص توغلها في النسيج العربي، فالمشاريع الإقليمية لدول حول المنطقة العربية تعمل بشكل دؤوب لتقويض مكانة الدول العربية.

إن دعوة الرئيس المصري في محلها ولكنها لا تُعبر بشكل دقيق عن الحاجة المطلوبة من الدول العربية القيام به في الوقت الراهن.

العمل العربي المشترك والموحد يجب ألا يقتصر فقط على داعش، بل يجب أن يشمل نطاق عمله وضع استراتيجية عربية مشتركة لمواجهة الأخطار التي تحدق بالمنطقة العربية.

فالقادة العرب وإن لم يكونوا جميعاً وإنما الراغبون منهم والذين يشتركون معاً في نظرتهم للأخطار المحدقة بدولهم ـ وهم في تصورنا يمثلون الدول الأبرز في المنطقة العربية اليوم ـ بحاجة إلى الجلوس مع بعضهم البعض في جلسة مصارحة ومكاشفة لتقييم الأخطار على المنطقة العربية والظهور باستراتيجية مشتركة لمواجهتها.

ولعل حجم الأخطار الحالية على العالم العربي تتطلب مثل هذا التحرك وبأسرع وقت ممكن. فداعش لا يمكن دحره من دون عمل عربي مشترك، والقاعدة لا يمكن أن تتراجع من دون عمل عربي مشترك، والطائفية لا يمكن أن تتوقف من دون عمل عربي مشترك، والعنف السياسي لا يمكن أن ينتهي من دون وقفة عربية مشتركة، والإخلال بميزان القوة لا يمكن أن يواجه إلا بالتعاون الاستراتيجي المشترك. فمهما فعلت القوى الكبرى فإنها لن تكون قادرة على تحقيق النصر من دون التعاون مع الدول العربية، وفي ذلك مصلحة عربية مشتركة لا بد أن تستثمر في الحالة العربية الحالية.

من ذلك فإننا نعتقد أن الدعوة يجب أن تكون نحو إنشاء منظومة استراتيجية تعاونية عربية في شكل منظمة أو مجلس تعاون استراتيجي أو اتحاد تعاون استراتيجي يعمل بشكل مشترك لمواجهة الأخطار وينظم العمل التعاوني الاستراتيجي بين دوله بشكل موحد. فالأخطار للأمن العربي لا يمكن أن تكون مجزأة بحيث ترفع دولة ما راية العمل العربي المشترك في مجال مواجهة ما يمكن أن يُعتبر مهدداً لأمنها وحدها، بل لا بد أن توضع استراتيجية كفيلة بمواجهة كل الأخطار المحدقة بالعالم العربي بشكل جماعي.