تسهم وسائل الإعلام بشكل عام، والعربية بشكل خاص، في إذكاء نار الصراع المحتدم بين مختلف الخصوم السياسيين. انقسم الإعلام العربي إلى فسطاطين ديناميكيين، يتخذ كل منهما طرفاً للوقوف بجانبه إعلامياً دعائياً وسياسياً وأيديولوجياً. لا تنفك تلك الوسائل، وعلى مدار الساعة، من الإشادة بهوية خصم والحط من قيمة الآخر.
في النهاية، يسير الواقع باتجاه الاستقطاب المحلي والإقليمي والدولي لصالح فئة ضد أخرى. ثم تبدأ تلك الفئات المتصارعة بالجمهرة والتسلح والحشد الإعلامي، ومن ثم، السعي للحصول على الأموال الكافية لتمويل زخم الحروب الأهلية المستعرة.
شخصياً، فإن جزءاً كبيراً من المسؤولية في الصراعات والحروب الأهلية الدائرة، يقع على عاتق أصحاب ومديري وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الفضائيات.
لديهم نقص واضح في الإحساس بالمسؤوليات الوطنية والقومية والإنسانية، بتبعات بث مواد إعلامية مسمومة محمومة، توصف بالتحريض والحث على الكره والانتقام والثأر. ذلك ما يزيد من ديمومة وزخم حمام الدم والحروب المستعرة، ويطوّرها أفقياً وعمودياً. في ذلك، تكاد لا توجد وسيلة إعلام واحدة تدعو حقيقةً إلى التسامح والتصالح والابتعاد عما يذكي نيران الفتن.
ذلك ما يطرح أسئلةً كثيرةً، أهمها، ما الذي يجنيه أصحاب ومديرو وموظفو تلك الوسائل الإعلامية من الاستمرار في صب الزيت على النار، التي أخيراً قد تحرق أقدامهم؟! الجواب واضح، وهو قصر نظر هذه الطبقة الإعلامية، ومن خلفها الطبقة السياسية والعقائدية التي تغذّي وتموّل وتمد الفئات المتصارعة، بما يدعو إلى استمرار القتال حتى آخر نبض في العروق.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه، هو إلى متى تستمر الشعوب في أن تبقى وقوداً لنزوات وطموحات وأفكار الإعلاميين والسياسيين والعقائديين؟! لماذا لا تقوم حركات سلمية حقيقية من مستوى القيادات إلى مستوى الشارع؟! تكون مهمتها وقف كل أشكال العنف والتحريض عليه فكرياً وعملياً ميدانياً وسياسياً تثقيفياً.
إلى متى تظل الشعوب تُقاد كالأغنام إلى مذابح ما يزعم البعض أنه الطريق إلى الحرية والخلاص من الديكتاتوريات والأنظمة العفنة؟! ألا يمكن إحداث انتقال أكثر سلميةً مما يجري، بما يوفر عشرات، بل مئات آلاف الضحايا، ومليارات الدولارات من الممتلكات؟! لماذا الاقتصاد والبنى التحتية والديمغرافية العربية أصبحت هدفاً مقدساً لجميع الفئات الإعلامية والسياسية والعقائدية والاجتماعية المتصارعة؟! لا شك أن وسائل الإعلام فعلت فعلها في تحويل المواطن العربي إلى عدو لنفسه، لا يوفر جهداً لتخريب بلاده.
العالم بشكل عام، ينظر إلى العرب باستغراب، بل وباستغباء. كيف تمكنت القوى الخارجية والداخلية من توحيد قواها للنيل من الشخصية والهوية والديموغرافية العربية!؟ كيف بين عشية وضحاياها أصبح عشرات الملايين من الشعوب العربية يدخلون أنفسهم في دوامة العنف والعنف المضاد!؟
كل فئة تتهم الأخرى بالإرهاب، وتحاول كل جهدها تلبية النداءات الدولية للتخلص من الإرهاب.
ترَكّز مصطلح الإرهاب على الهوية والشخصية والكينونة العربية والإسلامية. نسي العالم أو تناسى الإرهاب القادم في كيانات الاحتلال والاستيطان والاعتداءات المتكررة المزمنة على رموز الحضارات والأديان.
هذا برغم أن غالبية العمليات التي تُنسب إلى الجماعات الإسلامية مشكوك فيها جملةً وتفصيلاً، من حيث الدوافع والظروف والوقائع والنتائج الميدانية.
آن الأوان، وأكثر من أي وقت مضى، كي تصلح وسائل الإعلام أنفسها، وتعدّل مواقفها ولهجتها، وتتبع نهجاً أكثر عقلانيةً وسلميةً والتزاماً، وإنصافاً للفئات المنسية والمغضوب عليها من قبل وسائل الإعلام!. عدا عن ذلك، فإن نيران الفتن العمياء والحروب الأهلية سهلة الإشعال بالطرق الإعلامية، لن توفر شخصاً أو فئةً أو مكاناً أو بؤرةً ديمغرافيةً.