هناك حكمة قديمة في عالم الأخبار هيمنت على التفكير التحريري مفادها أنه «إذا كان التقرير دامياً فالصدارة له» وذلك يعني أن التقارير التي تتعلق بالعنف والمآسي والفساد تنال الأولوية فتحتل الصدارة في الصفحة الأولى من الصحف، على افتراض أن هذه التقارير هي التي تجتذب القارئ أكثر.
هذا الانطباع خاطئ على صعيدي الحقيقة والأخلاق، وهو يفضي إلى صحافة سيئة، وباعتبارنا صحافيين فإن عملنا هو أن نقدم لجمهورنا صورة دقيقة وهذا يعني الصورة الكاملة لما يدور في العالم من حولنا.
أما الاكتفاء بإظهار المأساة والعنف والفوضى والتركيز على ما هو محطم وفاشل، فإنه يغيب عنه جانب كبير مما يحدث حولنا، فماذا عن الطيفية التي يستجيب بها الناس لهذه التحديات وكيف يتضامنون بشأن التعرض للعنف والخسارة؟ وماذا عن التقارير الأخرى المتعلقة بالابتكار والابداع والأصالة والتعاطف والتسامح؟ إذا كنا نحن في وسائل الإعلام نكتفي بإظهار الجانب المظلم فإننا نفشل في أداء عملنا. وما هو أكثر من ذلك أننا يتضح أننا نخفق في ان نقدم لقرائنا ومشاهدينا ما يريدونه.
لقد قمنا أخيرا في دافوس بإعلان «ما يتوج بالنجاح»، وهي مبادرة تحريرية من صحيفة «هافينغتون بوست» لمضاعفة تغطيتنا لما يقلل من نجاح، وبينما سنواصل تغطية التقارير التي تدور حول ما لا ينجح مثل الفشل السياسي، الفساد، العنف والكارثة، بمزيد من الدأب على نحو ما كنا نفعل دوما فإننا نريد أن نتجاوز ذلك وأن نمضي إلى تطبيق القول «إذا كان التقرير داميا فالصدارة له».
وإذا أردنا أن نزيد من الإيضاح، فإنني لا أتحدث عن تقارير بسيطة تغمر القلب بالدفء، أو عن لحظات ابتاع فيها الناس الحيوانات الأليفة، وإنما أتحدث عن تقديم التقارير التي تدور حول أناس ومجتمعات يقومون بأشياء مدهشة وذلك للتغلب على الظروف الصعبة والوصول إلى حلول لمواجبه التحديات الحقيقية، وبإلقاء الضوء على هذه التقارير فإننا نأمل أن يكون بمقدورنا إبراز هذه الحلول، وإيجاد قوة إيجابية دافعة توسع نطاق تطبيق هذه الحلول.
هذه ليست صحافة جيدة فحسب، وإنما هي نشاط عمل ذكي، وقد اتضح أنه خلافا للاعتقاد الكامن وراء القول «إذا كان التقرير داميا فالصدارة له» فإن الناس يريدون المزيد من التقارير البناءة والتفاؤلية ونحن باعتبارنا المناصر الاجتماعي الأول على الفيسبوك، تعلمنا أن هذه هي التقارير التي يهتم بها قراؤنا بقدر كبير ويرغبون في قراءتها ومشاركة الآخرين فيها.
وتجربتنا في الصحيفة ليست وحيدة ففي هذا الصدد، قام يوحنا بيرغر الأستاذ بكلية وارتون لنشاط الأعمال بالتعمق في 2013 مع زميلته كاثرين ميلكمان في قائمة صحيفة نيويورك تايمز للتقارير الأكثر تداولاً بالبريد الالكتروني على مدار ستة أشهر ووجدا أن الناس أكثر احتمالا لأن يشاركوا الآخرين التقارير التي أثارت لديهم مشاعر إيجابية.
لقد كان إصدار الحكم دوما جزءا رئيسا من صناعة الأخبار، ولكن في مكان ما على امتداد الطريق، فإن تعريفنا لما يعرف بالأخبار وأصبح مرادفا للعنف والفوضى والكوارث. ولا يقتصر الأمر على أن وسائل الإعلام نادرا ما تغطي التقارير التي تدور حول الحلول وما يأتي بالنتائج، وإنما في الوقت نفسه نعطي الكثير من الاهتمام للتقارير التي تعد بالكاد جديرة بالإدراج في فئة الأخبار.
وهناك تقاري تدور حول المتطوعين الذين قدموا من بلاد بعيدة إلى مكتبة جامعة نورث داكوتا التي هددت مياه الفيضان المواد الموجودة في طابقها الأرضي، وعن عمليات قاعة المدينة التي انتقلت إلى فندق محلي وعن تقديم الجامعة الإسكان والمكاتب والعناية بمن دمرت منازلهم.
مثل هذه التقارير هي التي ينبغي أن تحظى بالأولوية ولكننا لا نستطيع أن نقوم بذلك بمفردنا، ولهذا فإننا نشارك العديد من المؤسسات الأخرى في تحقيق هذا الإنجاز، ونمد بصفة خاصة يدنا إلى طلبة الإعلام لمساعدتهم في تحديد هوية هذه النوعية من التقارير وصياغتها وتشكيلها، وسوف نساعدهم على أن يحققوا التأثير الأقصى عبر الإنترنت، وسوف نبرز أفضل أعمالهم عبر الفيديو والنصوص والوسائط المتعددة.