لا يختلف اثنان على أن المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة الخليجية تتطلب قادة من طرازٍ عالٍ قادرين على التعامل معها بقدرة وكفاءة استثنائية. لقد أنتجت الإمارات في ظروف غاية في الأهمية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، الذي أخذها من التشتت والاختلاف إلى التضامن والاتحاد..
وأنتجت صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي مكّن الوطن وطاقاته وفق رؤية ثاقبة لترسيخ النضج الاتحادي، وأنتجت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، الذي جعل العالم يشير بالبنان لِما وصلت إليه دولة الإمارات من إنجازات.
واليوم يدخل على قائمة الكبار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ليساهم في مرحلة مليئة بالتحديات وغاية في الصعوبة، تمخر من خلالها سفينة الإمارات في بحر تتلاطمه أمواج عاتية.
محمد بن زايد يتولى اليوم ملفاً غاية في الأهمية وهو ملف السياسة الخارجية والقضايا الإستراتيجية. درس الدبلوماسية في مدرسة والده، الذي كان بحق الدبلوماسي الأول في تاريخ الإمارات..
فقد تعامل الوالد المؤسس بفضل حكمته وحنكته السياسية بنجاحٍ مع العديدِ من القضايا المهمة والحساسة في بداية نشأة الدولة، كالعلاقة مع القوى الإقليمية والدولية، والقضايا الكبرى التي كانت تواجه المنطقة لاسيما تداعيات الحرب الباردة، والحرب العربية مع إسرائيل، والثورة الإسلامية في إيران، والحرب العراقية الإيرانية، والغزو العراقي للكويت.
يأتي صاحب السمو الشيخ محمد اليوم ليُكمل مسيرة والده وبدعم كبير من أخيه صاحب السمو رئيس الدولة في التعامل مع العالم الخارجي بذكاء وحنكة.
تمر المنطقة في الوقت الراهن بتحدٍّ خطيرٍ يتمثل في سقوط هيبة الدولة في مقابل صعود للتنظيمات المسلحة وتزايد حالة الفوضى مع تصاعد التدخلات الأجنبية التي تحمل أجندات مضرة بحالة الأمن والاستقرار في المنطقة، في الوقت الذي تتصاعد فيه التكهنات حول تراجع الالتزام الأميركي بالوقوف المباشر مع دول المنطقة في مواجهة مثل تلك التحديات.
في ظل هذا الوضع برزت سمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد وقدراته للتعامل مع مثل هذه التحديات الخطيرة. فباعتباره نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة فهو المساعد العسكري الأول لصاحب السمو رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وباعتبار أن مسؤولية السياسة الخارجية هي من مهام رئيس الدولة فإن الرئيس قد خوله القيام بمساعدة نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء في هذه المهمة التي تتطلب الكثير من الجهد. وبمباركة من نائب رئيس الدولة وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد تولى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد التعامل الإماراتي مع العالم الخارجي ومع الأخطار الأمنية التي تواجه المنطقة.
وهو الأمر الذي أضفى على سموه أن يتحمل مسؤوليات جسيمة نظراً لطبيعة التحديات الكبيرة. ولعل الخبرة العسكرية التي يتمتع بها سموه كقائد عسكري في سلاح الجو الوطني من جهة وكرجل سياسة تتلمذ في مدرسة والده الدبلوماسية من جهة أخرى أهلته إلى نيل الثقة من الجميع.
ويكفينا الإشارة إلى المستوى الذي وصلت إليه قواتنا المسلحة من قوة في العدة والعتاد، الذي أهلها لتبوؤ مركز الصدارة من حيث الكفاءة في العديد من المستويات.
فالإمارات اليوم تسيرُ وبقوةٍ وثبات نحو مواجهة فكر التطرف والإرهاب المسلح والتدخلات الأجنبية السافرة في الشؤون العربية. وهذه النظرة الرابطة بين أهمية التحالف الإقليمي والتعاون الدولي هي الاستراتيجية التي تجسدها جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الدبلوماسية.
فالحل لِما تواجهه المنطقة الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام يتطلب وفقاً لهذه الإستراتيجية تقوية البيت الخليجي وإعطاءه الزخم الأكبر ليقود الحالة العربية المتراجعة بسبب التهديد الواضح لهيبة الدولة الوطنية في مقابل تنامي دور التنظيمات الإرهابية والتدخلات الأجنبية. ويضاف إلى هذه الإستراتيجية تركيزها على البعد الدولي، حيث إنه مكون أساسي لنجاحها في مواجهة تلك التحديات.
فالتحالف الإماراتي ـ السعودي نجح نجاحاً كبيراً في خلق نظرة إستراتيجية جديدة لمواجهة التحديات، فالمحافظة على أمن واستقرار البحرين، ودعم مصر في مواجهة التطرف..
والوقوف الحازم ضد تمدد الحوثيين كلها خطوات عملية متقدمة ساعدت في خلقها النظرة الاستراتيجية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد اليوم. هذه النظرة استطاعت أن تُغير الواقع الذي كان سائداً في المنطقة، وكانت تستحوذ عليه فكرة أن دول الخليج العربي غير قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها، وأنها ليست سوى طرف متأثر وليس مؤثراً على جملة الأحداث.
إن من أبرز ما يؤمن به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد هو قناعته التي تربى عليها هو وشيوخ هذه الدولة بأن هذه الأرض الطيبة لا يمكن أن ترضى بالتشدد والغلو، وأن ما تؤمن به هو فكر الاعتدال الذي يجب أن يسود الدولة والمنطقة بأسرها. لذلك كان الدفع بفكر الاعتدال في التعامل مع الجميع.
ولما خرجت علينا تنظيمات متشددة ترفع السلاح لإرهاب الاعتدال كان لا بد لفكر الاعتدال أن ينتصر ولو برفع السلاح في وجه التشدد المسلح. فدخول الإمارات في العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش وضد جماعة الحوثيين جاء في إطار هذا الفكر. فالتشدد الذي يمثلة داعش والحوثيون ما كان يمكن التعامل معه بشكل سياسي أو ثقافي وحسب..
بل كان لا بد للأداة العسكرية أن تشارك في هذه المواجهة حماية ودفاعاً عن الفكر المعتدل الذي أصبح يواجه خطراً مباشراً من مثل هذا الفكر المتشدد. فالإمارات اليوم تقود عملية نشر فكر الاعتدال في المنطقة بكل السبل السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، أي باستخدام القوتين اللينة والخشنة. الأمر الذي يجعلها تنال احترام الجميع كدولة مسؤولة في المجتمع الدولي، تهدف إلى السلام عبر نبذ التشدد.
هذا الدور الذي تقوم به الإمارات اليوم ما كان لينجح لولا وجود قيادة تربط بين الفكر والممارسة ربطاً ينبثق من قناعتها بأن هذا التوجه هو الأساس والمطلوب في الوقت الراهن. ولعل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يمثل هذا التوجه، فهو بحق أحد أهم رجال المرحلة الحالية.