كان الشعر خلال العصرين الأموي والعباسي مرتبطاً بالموسيقى، حيث ازدهر الفنانون في ذلك الوقت، وحظي الشعراء والموسيقيون بمكانة رفيعة، وتمتعوا برعاية كبيرة.
وكان شاعر البلاط مؤسسة خاصة، وانتمى الخلفاء الأمويون والعباسيون أنفسهم إلى دائرة الشعراء ونقاد الأدب، وكان بعضهم أيضاً موسيقياً، فالخليفة الأموي الوليد بن يزيد، أدخل تجديدات مهمة على الشعر، وكان نجل أحد الخلفاء العباسيين، ابن المعتز، الذي أصبح خليفة ليوم واحد، وهو مؤلف عمل كبير في النقد الأدبي. وكما يحدثنا كتاب الأغاني للأصفهاني، فإن الشعر الإسلامي المبكر كان يغنى، فقد أكمل الأصفهاني مختارات ممتدة من الشعر العربي العائد إلى ما قبل الإسلام حتى القرن العاشر، وفيه نجد القصائد مرفقة بالتاريخ الاجتماعي للشعر والموسيقى.
كان الشعر ينظم في العديد من المناسبات وللكثير من الأغراض، كان يمكن أن تكون الموضوعات التي يدور حولها الطبيعة، التصور، الصيد، الدين أو أحداث الحياة اليومية.
وفي «ألف ليلة وليلة»، نجد القصائد تستخدم كشكل من أشكال الحديث بين العشاق، وكوسيلة للإعلاء من شأن اللحظات المهمة، وغالباً ما كانت القصائد تنقش على الحاجيات التي تستخدم في الحياة اليومية، مثل ثياب النساء، الحلي، قطع الأثاث، السجاجيد.. إلخ. وغالباً ما كانت هذه القصائد تتناول الحب، وكانت تستخدم للتعبير عن مشاعر صاحبها.
ويحدثنا الأصفهاني في أنه ذات يوم قرأ أحد الخلفاء قصيدة منسوجة على إحدى سجاجيده، وسر بها كثيراً، إلى حد أنه طلب من موسيقي البلاط تلحينها، فأصبحت أغنية شهيرة.
وخلافاً للإغريق الذين اعتبروا الشعر موهبة وليس علماً، فإن العرب أكدوا على الجانب الفني والتقني من الشعر الذي يقتضي دراسة وبراعة. فالشعر يتعين امتلاك ناصيته على نحو حرفي، شأن أي صناعة أخرى، ويتعين ممارسته بالأدوات الفنية المناسبة، فالشعر يعكف على موضوعه ويثيره على امتداد وقت طويل، ويعيد صياغته، والشعر يعبر عن مشاعر عميقة وخفية، ويكشف عن العواطف.
وكما يحدثنا ابن طباطبة، فإن الشعر كان يعتبر «السحر الأبيض»، فالشعر المتناغم يصل إلى الروح، ويتخللها على نحو يفوق في قوته رقى السحر وتعاويذه، ويكون أكثر فتنة من الغناء.
والخلاف المحتدم حول شعر المتنبي ليس شيئاً فريداً من نوعه، فقد اعتبره البعض واحداً من أفضل الشعراء العرب على الإطلاق، بينما ذهب آخرون إلى المغالاة على النحو ذاته في انتقاد أعماله، وكتب أدب بأسره لمعالجة مسألة المتنبي، حيث شدد المتحمسون له على مهاراته ونجاحه كدليل على النوعية الفائقة للشعر الذي نظمه، وفي المقابل، اتهمه خصومه بالافتقار إلى الأصالة، وفي نهاية المطاف كان المتنبي هو الذي فاز في هذه المعركة.
وكما أشار بن خلدون، فإن العرب أنفسهم قد حبذوا القصائد التي يعد كل بيت فيها قائماً بذاته ومستقبلاً بما يعبر عنه.
وركز ابن سينا على النوعية الرفيعة للشعر العربي، باعتباره كياناً جمالياً في المقام الأول، ووصفه بأنه في جوهره نظم ليؤثر في النفس، وليدخل السرور عليها وليؤثر في من يتلقونه، دون أن يرتبط بغرض معنوي أو أخلاقي، وبهذا المعنى، فإنه يختلف عن الشعر اليوناني القديم الذي لم يكن ينظم لتحقيق هذا الشعور بالسرور، وإنما كان ينظم كعمل فريد أو ملحمي، بالتالي، كان يقصد به التأثير في السلوك الأخلاقي. ووصف إبداع الشعر بأنه غير محدود، لأن أدوات الشعر في الإبداع ليست محدودة وإلا مقيدة، ودور الشاعر هو كشف الحقيقة.
أحب الباحثون الغربيون استخدام اصطلاح «العربسة»، لدى تصديهم لوصف الشعر العربي، وذلك للإشارة إلى طابعه التجميلي المراوغ وصياغته الموجزة.