يقوم كيان الجماعة اليهودية على مقولتين جوهريتين ومتلازمتين لديهم. المقولة الأولى هي أن اليهود هم « شعب الله المختار » دون شعوب الأرض الأخرى وأن « ياهواه » هو الههم وحدهم دون سائر البشر.
هذه هي المقولة الأولى أما المقولة الثانية فهي أن أرض إسرائيل سواء امتدت من الفرات إلى النيل كما وعد الرب النبي إبراهيم أو اقتصرت على «جبل صهيون» في عرف بعض المحدثين من الصهاينة هي في الحالتين أرض الميعاد وهي أرض مقدسة وهي حق لبني إسرائيل دون غيرهم من البشر.
شعب الله المختار من ناحية وأرض الميعاد من ناحية أخرى هما ركيزتا الديانة اليهودية وهما اللذان يمثلان بمدلولهما ومضمونهما جذور العنصرية والاستعلاء اللذين آمن بهما اليهود منذ أن كانوا وإلى اليوم وإن اختلفوا في قدر التعصب وردود الأفعال.
وتأسيساً على ذلك نستطيع أن نقول مع العديد من الباحثين إن إسرائيل في حقيقتها هي كيان استيطاني عنصري توسعي لا يقوم على فكرة المواطنة وإنما على أساس التمييز والفصل بين اليهود وغير اليهود حتى وإن كانوا يحملون جنسية دولة إسرائيل. العرب في إسرائيل حتى السكان الأصليون – قبل 1948 – يخضعون لتمييز عنصري واضح ولا يتمتعون بحقوق المواطنة.
دولة إسرائيل هي لشعب إسرائيل الذي اختاره الله ووعده دون سائر البشر بهذه الأرض. أرض الميعاد أو الأرض المقدسة.
وتصل العنصرية الصهيونية إلى منتهاها عندما تنظر إلى بقية الشعوب على أنهم جميعاً « جوييم » أي غوغائيون لا يستحقون الحياة.
ولهذا فإن على اليهود أن ينعزلوا عن بقية الشعوب ليحموا أنفسهم ويصونوا جنسهم النقي من الاختلاط بالغوغاء والحشرات والأشرار والسوقة من بقية شعوب الأرض الذين ما خلقوا على هيئة الإنسان إلا لكي يكونوا في خدمة « الجنس اليهودي النقي » على ما ذكرت معظم المراجع العلمية التي تبحث في جذور الصهيونية.
وقد جاء تأكيداً لذلك في سفر التكوين – السفر الأول من أسفار العهد القديم – أن الرب يهواه هو إله اليهود وحدهم – وعد إبرام – إبراهيم عليه السلام- قائلاً لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات.
وجاء أيضاً في سفر التكوين « وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك عهداً أبدياً لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم ».
هكذا جاء في سفر التكوين السفر الأول من العهد القديم .
وهكذا فإن جذور العنصرية والاستعلاء على بني البشر عميقة لدى الإسرائيليين المؤمنين بدينهم إيماناً تعصيباً يرفض مجرد التفكير.
إن الله اختارهم دون شعوب الأرض وأقام عهداً بينه وبينهم وتعهد بأنه يكون إلههم وحدهم وأن تكون تلك الأرض ملكاً أبدياً لهم.
وهكذا ترسبت في الذهن الإسرائيلي فكرة التمييز والاستعلاء والتعصب خاصة وأنهم يؤكدون لأنفسهم – عكس كل ما يقوله تاريخ المنطقة – أنهم عندما جاء بهم الرب لهذه الأرض ومنحها لهم كانت تلك الأرض صحراء قاحلة بلا شعب وأنهم هم الذين سكنوها وعمروها. وهكذا تستمر الأكاذيب الصهيونية وترسخ في ذهن المعتقدين بها من السذج الذين يجدون أنفسهم في هذا التعصب المقيت ويحسون بغير ذلك بالضياع الإنساني.
ومن أكثر صور العنصرية الصهيونية بغياً الاعتداء على قائد إسرائيلي حاول أن يقدم قدراً يسيراً لخدمة قضية السلام هو أسحق رابين فما كان جزاؤه إلاّ أن يقتل على يد صهيوني متطرف. وكان ذلك الحادث علامة على مدى التطرف والتعصب الصهيوني.
هذه هي جذور العنصرية الصهيونية كما تقول بها كتبهم.
فما هو مصير هذه العنصرية في قابل الأيام.
والآن نتساءل عن المصير.
نخدع أنفسنا إذا قلنا إن زوال العنصرية الصهيونية الإسرائيلية الاستعلائية هو أمر قريب. قد يأخذ ذلك حقباً طويلة ولكنه بحكم حركة التاريخ الإنساني واتجاهاته العامة لابد وأن يكون مصيره الذبول ثم الزوال. والأمر هنا يعتمد على عوامل كثيرة متعددة ومتداخلة. أولها الموقف الدولي، وفي هذا الموقف هناك الولايات المتحدة الأميركية من ناحية والاتحاد الأوروبي وبقية دول العالم من ناحية أخرى.
أما الولايات المتحدة الأميركية فإنها ستظل هي الحصن الحصين للدولة الإسرائيلية مهما كان بغيها وظلمها للشعب الفلسطيني. ذلك أن الأمر هنا مرتبط بالسيطرة الصهيونية على رأس المال وعلى الإعلام وتأثيرها على الناخب الأميركي.
ستظل أميركا قلعة الصهيونية الصامدة.
ويجب أن يدرك العرب جميعاً – سواء كانوا عرب النفط أو غيرهم – هذه الحقيقة رغم مرارتها.
الاتحاد الأوروبي ودول شرق آسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ليست على قلب رجل واحد ولكنها تتراوح بين الاتجاهين.
وأخيراً تبقى القلعة الأخيرة الصامدة وهي الشعب العربي الفلسطيني ووراءه أمته العربية إن كان مازال هناك ما يسمى « الأمة العربية ». والأمر يحتاج إلى كثير من التفصيل قد يحسن أن يكون مكانه مقال الأسبوع القادم بإذن الله.