ربما لم ينشغل العالم بمتابعة اخبار اتفاقية دولية منذ فترة طويلة مثل ما تابع مفاوضات خمسة زائد واحد مع ايران حول السلاح النووي. وما يثير التساؤلات تكرر تمديد الموعد النهائي للمفاوضات وتضارب التصريحات من قرب انفراج إلى إشارات بأنها متعثرة. وبطبيعة الحال أكثر الدول المتأثرة من هذا السلاح هم الخليجيون بحكم موقعهم الجغرافي المجاور لإيران. فهناك قلق مشروع في دول الخليج من وجود أسلحة نووية على بعد كيلومترات من حدودهم.
ولكن القلق لا يقف عند هذه النقطة، بل يتجاوزه الى القضية الأشمل وهي أن إشكالية إيران في المنطقة ليس فقط السلاح النووي، بل هناك التمدد الإيراني في الدول العربية والتدخل في الشؤون الداخلية وتبنيها ميليشيات وممارستها الحروب بالوكالة. هناك واقع موجود والولايات المتحدة نفسها تعترف بهذا الواقع، بل وتتفاوض مع ايران للتنسيق في قضايا داخلية عراقية. وأصبحت طهران تحتفط بحق الفيتو لقرارات العاصمة العربية بغداد.
الحديث عن صفقة تجمد قدرات إيران في تطوير السلاح النووي لمدة عشر سنوات مقابل رفع العقوبات. هو نظر جزئي للمشكلة. فإيران سوف تحتفظ بمفاعلاتها الحالية أي أنها لن تطورها ولكن لن تلغيها. وهذا يفترض أن المشكلة ستكون موجودة في أي لحظة. أي أنها لو أرادت أن تكسر الاتفاق تحت أي ظرف فإنها تكمل من حيث وقفت. وهذا يجعل الاتفاقية تبدو وكأنها استراحة مؤقتة.
والنقطة الثانية والتي ترتبط بالمنطقة أن رفع العقوبات سيمنح إيران اكثر من مائة مليار دولار. وربما كان خبرا سارا للمنطقة لأن ضخ أموال هائلة في الاقتصاد سيستفيد منه الجميع وسيفتح فرصاً اقتصادية واستثمارية. كما أن رفع المقاطعة عن السوق الإيرانية سيعني فرصا مغرية للشركات في المنطقة للتصدير خاصة أن الكثافة السكانية عالية والأسواق قريبة. ولكن الخبر السار هو في الصيغة النظرية، لأن التجربة بينت أن إيران تفكر بطريقة أخرى، فرغم ظروفها الاقتصادية والحصار أهدرت أموال الشعب الإيراني في مغامرات وطموحات توسعية لم يستفد منها المواطن الإيراني.
إيران خسرت مليارات الدولارات في دعم نظام بشار الأسد في سوريا والدعم الاقتصادي لحزب الله في لبنان ودعم ميلشياتها في العراق. وكشفت أيضا عاصفة الحزم في اليمن حجم الأسلحة الهائل التي تكفلت بها إيران من اجل دعم ميليشيات الحوثي.
أي أن إيران وهي في ظرفها الاقتصادي كانت تستنزف اقتصادها في مغامراتها السياسية. وهذا يعني أنه في حال توفر السيولة فإنها ستوجهها لدعم مغامراتها السياسية، وسيزيد من شره تطلعاتها التوسعية. وهذا يعنى أن الاتفاق تجاوزاً سيحل جانبا من الموضوع، ولكن ماذا عن الجوانب الأخرى والمترتبات التي ستنتج عنه.
وقد وصفها الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقالة له بعنوان اتفاق سيئ جيد بعبارة صباح اليوم التالي. وهو تعبير انجليزي يقصد به النتائج المترتبة على الحدث. ويتساءل عن سبب ضعف إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما في أخذ مواقف حازمة. وقال إن الأمر يبدو وكأن ايران هي التي تكسب في المحادثات بينما واشنطن تقدم التنازلات. وهذا أمر يتكرر قوله في واشنطن ويبدو أن اوباما يحاول إنجاز اتفاق سريع يسجل في إنجازاته السياسية قبل انتهاء فترة ولايته.
وهناك اسئلة كثيرة عن وضع إيران بعد توقيع الاتفاق النووي. ويخطئ الأميركيون إذا اعتبروا أن قضايا الصراعات الإقليمية في المنطقة هي قضايا ثانوية. ومبدأ ترك خلافاتهم لهم أثبت عدم جدواه. فالإرهاب كالعدوى ينتقل الى كل مكان ولا توجد حصانة لأي بلد. وفي حال انفلات الوضع الداخلي في المنطقة فالعالم بأسره سيعاني من تبعات هذا الوضع. وتجربة سوريا والعراق وليبيا أكدت حقيقة ترابط الأحداث في العالم فالمنظمات الإرهابية مثل داعش وغيرها هي نتائج للفوضى الحاصلة في المنطقة.
القضية بالنسبة لدول المنطقة ليست فقط في مسألة السلاح النووي رغم خطورتها، بل ضرورة لجم تصرفات إيران العدوانية واحترامها النظام والقانون الدولي. وهذا يتطلب أن يكون جزءا من الاتفاق بحيث لا تستغل إيران السيولة المادية التي تتوفر لها من رفع العقوبات في الإنفاق على سياساتها التوسعية وخلق مزيد من المشاكل في المنطقة. وإذا كانت ايران تريد فعلا الالتزام بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول الأخرى فهناك فرصة من خلال اتفاق شامل يعالج القضايا العالقة في المنطقة ويلزم إيران بوقف تدخلاتها الخارجية ويكون هذا الالتزام تحت إشراف دولي يتمثل في مجلس الأمن.
المنطقة تعاني من تحديات هائلة وضعف الإدارة الأميركية في اتخاذ مواقف قوية ساعد في تأزم الموقف في المنطقة. ومن الخطأ ترك الأمور على ماهي عليه. شعوب المنطقة تتلهف إلى الأمن والاستقرار والتنمية. وقد تعبت من الحروب والمشاكل والأزمات. وحان وقت التفات العالم إلى هذه المنطقة لحلول جذرية بعدما أثبتت المهدئات فشلها وتضرر الداخل والخارج من شظايا الانفجار.