تشغل بال الدارسين في العلاقات الدولية العديد من المفاهيم الأساسية التي تضع الأسس لشرح العديد من الأحداث والتطورات والظواهر التي يشهدها النظام الدولي، ومن تلك المفاهيم مفهوم معضلة الأمن. ولعل منطقتنا الخليجية تعيش اليوم مثل هذه المعضلة.

تُعرّف (معضلة الأمن) في أبسط حالاتها بأنها الحالة التي تسعى من خلالها دولة ما إلى رفع قدراتها العسكرية على أمل أن تؤدي تلك الزيادة في القدرات إلى تحقيق أمن واستقرار الدولة في مواجهة التحديات والأخطار من الدولة الأخرى المنافسة؛ ولكن المعضلة تكمن في أن رفع تلك القدرات لا تؤدي في الواقع إلى تحقيق الأمن والاستقرار وإنما تؤدي إلى مزيد من المنافسة، حيث إن الدولة الأخرى تسعى هي أيضاً إلى اتباع النهج ذاته في تعزيز قدراتها العسكرية لتحقيق ذلك الهدف، الأمر الذي يعني أن حالة المنافسة بين اي دولتين ستؤدي إلى الدخول في حالة توتر في العلاقة بينهما ومن ثم ينفتح باب المواجهة العسكرية المسلحة المباشرة بين الأطراف.لعلنا نعتقد أن ما يدور في المنطقة الخليجية هو تجسيد لهذه الحالة التي تبرز من خلالها معضلة الأمن والتي تفسرها لنا هذه النظرية من نظريات العلاقات الدولية.

أي صدام بين اي طرفين لن يخدم المنطقة على الإطلاق. كيف هو حال معضلة الأمن في العلاقة السعودية الإيرانية؟ مثلا؟!.

لقد كانت العلاقة بين الطرفين في فترة الستينات والسبعينات تعتمد على التعاون الإستراتيجي المحفوف بالحذر من كلا الجانبين، حيث كان الطرفان يشتركان في نظرتهما لبعض الجوانب الإستراتيجية لاسيما الخشية من المد الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

إلا أن نجاح الثورة في تغيير نظام الحكم في إيران أدخل العلاقة بين الجانبين في طبيعة جديدة قوامها التوجس والتوتر والمواجهة غير المباشرة التي تفتح الباب على مصراعيه للمواجهة المباشرة حسب فكرة نظرية معضلة الأمن.

ما أن تغير نظام الحكم في إيران من نظام الشاه إلى نظام الثورة حتى تغيرت موازين القوة في العلاقات الدولية في المنطقة، فابتعدت طهران كل البعد عن واشنطن واتخذت لنفسها خطاً جديداً اعتبر من خلاله الولايات المتحدة الشيطان الأكبر الذي يجب مواجهته هو وكل من يتحالف معه.

وبهذا المنطق أصبحت السعودية خصماً إستراتيجياً وليست شريكاً كما كانت في السابق. وعليه بدأت المنافسة بشراسة بين الجانبين لرفع قدراتهما العسكرية والسياسية في المنطقة، منافسة أدت إلى أمرين: الأول، احتدام التنافس العسكري لامتلاك قوة عسكرية متقدمة وقادرة على خلق التوازن في التهديد مع الطرف الآخر. والثاني، احتدام التنافس السياسي في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص.

لذلك بدأت أحدث تكنولوجيا السلاح تدخل إلى المنطقة، وتبعها مشاريع لبرامج أسلحة دمار شامل كما هو الحال مع السعي الإيراني لامتلاك القدرة العسكرية النووية عبر برنامجها النووي القائم، والتلميح السعودي بأنها لن تقف مكتوفة اليدين إذا ما حدث وأصبحت إيران قوة نووية. وبدأت كذلك تجاوزات للخطوط الحمر القائمة في مناطق مختلفة، فإيران نجحت في التوغل في لبنان وسوريا والعراق واليمن ، وتحاول بكل ما تملك للنجاح في دول منطقة الخليج العربي.

هذا الأمر أدى إلى توتر العلاقة بين الجانبين إلى أن وصلت إلى حالها الحالي القائم على المواجهة غير المباشرة في مناطق مختلفة مثل سوريا ولبنان واليمن والبحرين. ولعل استمرار حالة التوتر بين الطرفين قد تنذر بدخول الطرفين في صراع مباشر لن يخدم أمن المنطقة ولا العالم على الإطلاق. حرب باردة مشتدة بين الجانبين قد تؤدي حسب وجهة نظر معضلة الأمن إلى الوصول إلى حرب مباشرة إذا ما استمرت على حدتها.

فالدعوة في مثل هذا الوضع هي للتعقل وتغليب الصالح العام الذي يجب أن يُبعد المنطقة عن حالة التوتر القائمة، ويقيم عقد سياسي جديد في منطقة الخليج العربي، يكون قوامه احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بشكل عملي وفعّال، أما غير ذلك فإنه سيبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه لتوقعات معضلة الأمن.