العلاقات المدنية العسكرية في إسرائيل أو ما يطلق عليه المتخصصون في الدراسات الإسرائيلية العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، هي علاقات متداخلة ومتشابكة منذ نشأة إسرائيل في عام 1948 وتولي «دافيد بن غوريون» رئاسة أول حكومة إسرائيلية.
وقد حظت هذه العلاقات في إسرائيل بتفسيرات متباينة، وفق النماذج النظرية التي حاولت تفسير هذه العلاقات، أي نموذج الدولة القلعة أو الدولة العسكرية، ونموذج المركب الصناعي العسكري والنموذج الوظيفي، ونموذج الشبكة الأمنية ونموذج الشعب المسلح، ونموذج الشراكة بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي.
وتحظى المؤسسة العسكرية في إسرائيل بمكانة وأهمية لا تحظى بها أية مؤسسة أخرى في النظام السياسي الإسرائيلي، وذلك بسبب طبيعة المهام الموكولة لها؛ فهي أي هذه المؤسسة تتولى على حد تعبير «بن غوريون» «بناء الأمة الإسرائيلية» عبر الأدوار المدنية والعسكرية التي تؤديها، فهي تقوم بقراءة الواقع الإسرائيلي من مختلف النواحي وتفسيره وكذلك واقع البيئة المحيطة بإسرائيل.
وفضلاً عن ذلك فهي تقوم بتعريف الأمن القومي وتعيين مصادر التهديد الحالية والمستقبلية ومسؤولة عن وضع الخطط والتصورات العملية عبر هيئة الأركان والتي يتولى عرضها على وزير الدفاع وليس من حق هذا الأخير تعديل هذه التصورات إلا وفق الطريقة التي يقبلها الجيش.
يمثل مفهوم الأمن هاجساً محورياً للوجود الإسرائيلي ويستمد الجيش مكانته من مسؤوليته عن تأمين الوجود الإسرائيلي ومواجهة الأخطار ومصادر التهديد، وهو أي الجيش يمتلك الأجهزة الخاصة بجمع المعلومات وتحليلها ورصد المستجدات والمعطيات وتحضير الخطط اللازمة بطريقة مهنية واحترافية تفوق غيره من المؤسسات في الدولة الإسرائيلية.
وفضلاً عن مركزية الجيش والمؤسسة العسكرية في إسرائيل في القضايا التي تتعلق بالأمن والدفاع، فإنه يلعب أدواراً أخرى مدنية تتعلق بالاستيطان والتعليم واستيعاب المهاجرين وخدمة الفئات المهمشة في إسرائيل.
كما يضطلع بمهام أخرى في السياسة الخارجية والمفاوضات، حيث وفقاً لشيمون بيريز الدول الصغيرة ليست لها سياسة خارجية بل سياسة أمنية. ومن الناحية الاقتصادية يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على الصناعات العسكرية، كما أن المجال السياسي المدني يزخر بالعديد من الجنرالات الذين انضموا أو أسسوا أحزاباً إسرائيلية.
أكد بن غوريون مؤسس الدولة الإسرائيلية وجيشها أن الجيش لا يقرر السياسة ولا النظام ولا القوانين، ولا يقرر كذلك شأن الحرب والسلام، هذا في حين أنه دأب على اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي والحرب في إطار ضيق للغاية، يشمل عدداً من المقربين منه وعدداً آخر من كبار جنرالات الجيش، وحاول عزل الحكومة عن قرارات الأمن القومى.
وفي مواجهة نموذج الدولة - القلعة حاول بعض الباحثين الإسرائيليين تقديم نموذج «الشعب المسلح» لتشخيص العلاقات بين الجيش والمجتمع في حالة مشاركة المواطنين في الجهد العسكري عند أعلى نقطة ممكنة، وهذا النموذج هو الأقرب من وجهة نظر هؤلاء الباحثين للدولة الإسرائيلية، فهذه الدولة في حالة حرب مستمرة.
استمرت هيمنة «النموذج الوظيفي» في تفسير علاقة المستوى العسكري بالمستوى السياسي في إسرائيل حتى النصف الأول من الثمانينيات، وساهمت عوامل عديدة في إزاحة هذه الهيمنة من بينها «التقصير» في حرب أكتوبر عام 1973، وغموض العلاقات والمسؤوليات بين الجانب العسكري والمستوى السياسي الذي كشفت عنه لجنة «أجرانات»، ويضاف إلى هذه العوامل نتائج انتخابات 1977 وسقوط حزب العمل وصعود الليكود إلى الحكم، وعززت حرب لبنان عام 1982 من محصلة هذه العوامل.
وقد أفضت إلى ظهور «نموذج الشراكة» بين المؤسسة العسكرية والمستوى السياسي في عملية صنع القرارات، التي تتعلق بالأمن القومي.
وفي حين يؤكد «نموذج الشراكة» وجود مؤسستين منفصلتين في إسرائيل، هما المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية المدنية، يركز نموذج «الشبكة الأمنية» على صعوبة الفصل بين الأمن في إسرائيل والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبصرف النظر عن فاعلية وقيمة هذه المقاربات النظرية ومدى تعبيرها عن الواقع، فإن الشواهد والوقائع الملموسة تؤكد مركزية المؤسسة العسكرية في إسرائيل في مجال الأمن القومي الإسرائيلي، وتعيين مصادر التهديد التقليدية وغير التقليدية في الإقليم، أي المنطقة ككل، وليس فحسب في دول الجوار.
كما أن هذه المؤسسة تضطلع بأدوار مدنية مهمة وتلعب دور «بوتقة الصهر» للمجتمع الإسرائيلي من خلال أنظمة التجنيد والاحتياط والتعبئة، والتي يخضع لها كل الإسرائيليين، باستثناء بعض طلبة المدارس الدينية.
تختص إسرائيل دون غيرها بأهم معالم التسلط العسكري المعروفة، فهي تقوم بتعبئة أعداد هائلة من القوات النظامية وقوات الاحتياط والأنظمة التي وضعتها للتجنيد والاحتياط والتدريب تضمن لها ذلك، كما تتبنى إنشاء مجموعات شبه عسكرية أو ميليشيات لا يتم حصرها ضمن أفراد الجيش مثل جماعات المستوطنين «والناحال».
وتحظى إسرائيل أيضاً بتضخم موازنة الدفاع والإنفاق العسكري وبدخول سباق التسلح التقليدي وغير التقليدي. رغم الاستثنائية التي تميز مظاهر وطبيعة الوجود الإسرائيلي، فإن دور الجيش في إسرائيل الأمني والعسكري والمدني والاقتصادي لا يبدو استثنائياً.