بعد أكثر من 12 عاماً على محاولة إرساء الديمقراطية المستوردة يجد الشعب العراقي نفسه يدور في حلقة مفرغة. كل الطرق نحو المستقبل باتت عبثيةً لا فائدة من الدخول فيها. حالة ركود اقتصادي وصراع فكري واجتماعي وسياسي؛ جعلت الإنسان العراقي العادي ينزل إلى الشارع منهكاً بل صفر اليدين أكثر من أي وقت مضى.

يحاول الشعب بصدور عارية وأكف خالية إيجاد بديل لحالة مزرية برزت في كافة القطاعات والاتجاهات والآفاق. الجميع يلقي باللائمة على الفساد والفاسدين والمفسدين؛ وكأن الفساد قدم مع كائنات أتت من كوكب آخر.

الحالة العراقية فريدة جداً من نوعها عبر التاريخ البشري. إذ من يصدّق أن قدامى، أو المخضرمين من المناضلين والمجاهدين والمكافحين ضد الظلم والاستبداد والدكتاتورية غارقون في بحار من الفساد والإفساد، والجرائم التي تبدأ ولا تنتهي.

أول الملومين في الحالة العبثية العراقية هو الاحتلال الأنجلو-أميركي وحلفاؤه من الدول الأخرى. هو أي الاحتلال الذي ألحّ بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ويتعاون مع التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والتنظيمات المتفرعة عنه.

حتى الآن لا يوجد أي إثبات ولو ساذج متواضع على تورط النظام العراقي السابق في هكذا قضايا. على العكس من ذلك فإن النظام السابق كان متقيّداً بالمعاهدات والمواثيق الدولية بشكل ملفت للنظر بالمقارنة مع الكثير من الدول والأنظمة والكيانات.

الاحتلال أو التواجد أو التدخل الإيراني السافر أضاف وحلاً إلى المستنقع العراقي. الأحزاب السياسية والعقائدية النافدة في الحكم توالي وتنسق وتأتمر بأوامر المرجعية ذات الأصل والفرع الإيرانيين، مذهبياً وسياسياً.

مرجعية السيستاني لم تزل تبارك خطوات وطروحات النظام السياسي العراقي في كل صغيرة وكبيرة قام بها النظام تقريباً. هو الذي يزود النظام السياسي الطائفي بالوقود العقائدي والذي كان بنتيجته حالياً إنشاء حشد شعبي طائفي يشكل النظير الند لتنظيم الدولة الإسلامية.

الأحزاب الطائفية السياسية الحاكمة تتحمل ميدانياً وأخلاقياً ومنطقياً وسياسياً تبعات امتطائها صهوة جواد الحكم. على مدى سنين من الحكم وبميزانيات متميزة بالضخامة والأرقام الفلكية لم يزل قطاع الخدمات والتنمية والتطوير والتحديث في حالة شديدة من السوء، ويواصل التراجع. العراق اليوم أكثر الدول فشلاً في كافة المستويات والمجالات.

انحسر نشاط ونفوذ السياسيين في المنطقة الخضراء والتي أصبحت عنواناً ورمزاً للفساد والرشوة والصفقات المشبوهة، وارتكاب الجرائم بحق الوطن والشعب العراقيين. ذلك ما يحمل الكثيرين من المراقبين على الظن أن المؤامرة على العراق يقودها سياسيون عراقيون ينفذون أجندةً شديدة العداء للعراق، أرضاً وشعباً وتاريخاً وحضارةً ومستقبلاً استراتيجياً.

منذ ما يربو على الشهر تقريباً بدأ حراك جنوبي لم يكن متوقعاً ضد الطبقة السياسية الحاكمة ومن يقف معها، خاصةً من المرجعية الدينية الطائفية المذهبية. أدرك المتظاهرون أن المرجعية ما هي إلا غطاء أو مظلة لنظام حكم لم يضع نصب عينيه مصلحة العراق، الوطن والشعب والمستقبل. يسود اليأس وخيبة الأمل وجوه وقلوب وصدور وعقول وشعارات المتظاهرين.

هذه يمكن أن تشكل بداية النهاية لنظرية الحكم الطائفي، والكوتا الطائفية التي فرضها المحتل الأميركي والمحتل الإيراني المقنَّع على الشعب العراقي. اكتشفت الجموع الحاشدة أن هنالك شرَكاً وقع فيه العراقيون باختيارهم مجموعةً من الطائفيين الفاشلين في الإدارة والسياسة وتوجيه البلاد نحو الأفضل.

الطريق أمام العراقيين طويل وهذا الحراك قد يكون البداية وقد يكون بداية النهاية. البداية لعهد من الحرية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وتطبيق الحقوق والواجبات على أصحابها. قد يشكل الحراك بداية النهاية لحكم المرجعيات التي عفا عنها الزمن. هذا مع ضرورة تقديم من يمكن تقديمه لمحاكمة عادلة تنصفه مرةً نهائيةً تكون لا رجعة له فيها إلى الولوج في نشاط سياسي لا قِبَلَ له به.

لقد أغرقت المرجعيات الطائفية البلاد والعباد في بحر من الدماء العزيزة على أهلها. من المسؤول عن تلك الجرائم والأهوال والانتهاكات الخطيرة الواسعة لحقوق الإنسان؟!

مفترق الطرق أمام العراقيين، والمنطقة، يمكن أن يؤدي إلى الخلاص النهائي من حالة الفوضى والفساد والحروب العبثية والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. ثمة قد يكون الحراك عبثياً يؤدي إلى الإبقاء على الوضع الحالي كما هو عليه.

وقد يأتي بنظام سياسي دكتاتوري لكن مناسب لمرحلة من الزمن، حتى تستقر الأوضاع وتهدأ وتعود المياه في العراق إلى مجاريها. هنالك احتمالات أخرى تنتظر الحالة العراقية وتتراوح بين اشتعال حروب أهلية وإقليمية وحتى دولية. ذلك أن الحالة العراقية لم تزل حبلى بالمفاجآت والتطورات والتعقيدات، من كل حدب وصوب.