شهد تاريخ العرب الحديث تمزقهم و اندثار حضارتهم و ساد الفقر و الجهل بينهم. ففي اكثر من قرن قد مضى بثت القلاقل والسم في بلاد العرب وعربها، فتقسمت و شرد أهلها وتناحر عربها وما زلنا نعاني من ذلك، كنا ومازلنا لقمة سائغة للأجنبي حتى إيران بثت براثينها في اكثر من بلد عربي.
يعتبر افضل علاج للمخاطر على الدول الدخول في تجمع إقليمي ومنه يأتي هدف التكامل فيما بينها و التوصل إلى قرارات موحدة كما هو حال الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، لقد تعلم الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية أن الخطر يكمن في ذاتهم فدخلوا في تجمع إقليمي يؤدي إلى التكامل فيما بينهم والتوصل إلى قرارات موحدة والتي أدت إلى نسيان دخول حروب فيما بينهم والعمل لمستقبل يعمه السلام والاستقرار، تعددت الأخطار على الدول و العلاج واحد، و يشكل الخطر المحيط بالدول المتجاورة أهم عنصر في نجاح التجمعات الدولية يليه عنصر التكامل فيما بينها ثم التوافق لقرارات موحدة، وهذه العناصر مجتمعة تشكل أسس نجاح ذلك التجمع عن غيره، أما الاستدامة لأي تجمع فيتطلب فتح العضوية لدول أخرى لهذا التجمع كما قام به الاتحاد الأوروبي.
«الدولة الضعيفة تلد رجالا ضعفاء» هيرون 500 ق م، السؤال هنا كيف نأتي بتلك الدول العربية إلى مصاف الدول القوية ؟ في هذا السياق كتب المؤرخ البروفوسورآين موريس في كتابه «لماذا الغرب يحكم» و خلص بأن التطور الاجتماعي في الدولة هو المحرك لصياغة تاريخ الدولة، ويشكل مستوى التعليم والصحة المعيار الذي يؤدي إلى إطالة الأعمار ورفع الإنتاجية (الاقتصاد) و توجيه الفائض للاستثمار في اقتصاد الدولة ليصب في هذا التطور المستمر (كما شاهدناه في دولة الإمارات)، وهناك معيار الصدفة كاستكشاف النفط وخور دبي الذي اشعل القطاع التجاري، ومعيار الابتكار والتطوير من موانئ إلى أساطيل الطائرات تجوب أقطار المعمورة وحدث ولا حرج فلدينا برنامج للوصول إلى كوكب المريخ، و هناك معيار صنع الخيارات الاستراتيجية و التي تشكلت في القوة العسكرية الضاربة للدولة كما نشهده في حرب اليمن.
لا يأتي النجاح بين ليلة و ضحاها بل من العمل الشاق والقيادة الرشيدة التي لديها العزم اللازم لهذا النجاح والذي ابتدأ مسيرته عام 1958 نجاح تلو الآخر، وأخيراً هناك عامل النقل (النسخ) من المجتمعات المختلفة و تطويرها إلى مستويات افضل، وأخيراً يشكل نموذج التطور الحضاري الأفضل في تفسير بناء قوة الدولة.
يصاغ النمط الأول من التطور الحضاري انطلاقاً من نمط المناخ الذي يدفع الإنسان للرقي بنفسه و مجتمعه، و لا يأتي هذا إلا في تراكم لفيف من المعايير و عناصرها في التطور الاجتماعي للدول في سيرورة إلى أن يصبح المجتمع في المستويات الاجتماعية المتقدمة. هكذا أصبحت الإمارات للعرب مثالا يحتذى به و مركز جذب حضاري للعالم العربي و الإسلامي، إن للتطور الاجتماعي عنصرا فاعلا في التطور الابداعي ليعطي عملية تجدد متواصلة لهذا التطور وتغير لا ينقطع حسب التوجه الذي تمليه الحياة الدافعة الكامنة في الإنسان.
اما النمط الثاني للتطور الحضاري فيركز على التطور الثقافي و يعرف بأنه نمو الثقافة من الأنماط البسيطة المفككة إلى أخرى معقدة و متكاملة بالتفاعل مع الإنسان، ويفسر هذا بأن الأنماط المختلفة تدل على التغير التدريجي الذي يؤدي إلى تحولات منظمة و متلاحقة.
كأن البروفسور آين موريس بيننا يفسر لنا مسيرة دولة الإمارات إلى التطور الاجتماعي الراقي، بالتركيز على بناء الإنسان و مجتمعه وثقافته، إن تواجد دولة الإمارات بين أفضل عشر دول في العالم في النظام التعليمي هو مطلب استراتيجي و يرتكز الرقي بالنظام التعليمي على أن يكون المدرس على مستوى عال من التعليم و التأهيل (يحبذ ان يكون حاصلا على درجة الماجستير)، والزيادة الحكومية المستمرة لميزانية التعليم، والتغير الدوري للمناهج الدراسية وجعلها اكثر تحديا للطالب، وإلغاء جميع الامتحانات العامة،والتركيز المستمر في مواكبة التطور التكنولوجي (للعلم: تحتل الفلبين المركز العاشر بين افضل الدول في النظام التعليمي).