لم يكن أحد يتصور أن تؤول الأحوال في بعض بلدان العالم العربي إلى ما وصلت إليه الآن.
تهجير قسري ودماء تنزف وتدمير ممنهج للبشر والحجر وفقر مدقع، الأمر الذي أفرز حالة من عدم الاستقرار في العالم العربي بأسره. عدم الاستقرار هذا أنتج فراراً جماعياً وتهجيراً قسرياً ولاجئين ومشردين وفقر وبطالة.
ولو تمعنا في كل ناتج على حدة، لوجدنا أن الأحوال في العالم العربي تسير من سيئ إلى أسوأ من دون بادرة أمل تقود إلى إنقاذ الموقف.
المتأمل لهذه الأحوال يشعر بأنه أمام حالة تآمرية مرسومة بعناية، فهذا الوضع يستنزف جهوداً كبيرة وموارد مالية وبشرية هائلة ويؤثر سلباً على كل أوجه التنمية في عالمنا العربي، فمثلاً، التهجير كناتج افرز العديد من الإفرازات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي طالت كل بلدان العالم العربي، فهجرة اللاجئين من أتون الجحيم الذي تشهده بلدانهم إلى أوروبا والغرب، مثلاً، أظهر العالم العربي وكأنه غير قادر على التعامل مع مشكلاته الداخلية ولا التعاطي مع أي متغير سلبي. الربيع العربي الذي حلم به الشباب العرب، في أن يغير حالهم من حال إلى حال، تحول إلى جحيم عربي أفرز حالة من الغليان الداخلي غير المسبوقة.
هذا الجحيم الذي أكل البشر والحجر ودمر الصروح الحضارية واستباح ذاكرة التاريخ وجعلها مسرحاً لجرائمه، حول العالم العربي إلى أنموذج لمنطقة غير مستقرة تعج باللاجئين والمهجرين والمشردين والشباب اليائس المعرض للانجراف إلى هاوية التعصب والإرهاب.
وفي الواقع لم يعد الشباب الحالم بالتغير الإيجابي هم من يقود دفة الأمور، فمنذ الانتفاضات العربية تقدمت إلى الواجهة جماعات فكرية متطرفة وميلشيات مسلحة لا هدف لها إلا مصالحها الضيقة والعبث بالأمن والاستقرار العربي. هذا الوضع في مجمله أفرز حالة من عدم الاستقرار الذي أدخل المنطقة العربية بأسرها في نفق مظلم من الصعب الخروج منه، وجعل من العالم العربي محطاً لأطماع الدول الأجنبية بمختلف أطيافها.
أصبح العالم العربي بين فكي كماشة: فك التيارات المتشددة في الداخل وفك الأطماع الأجنبية التي كانت تتحين الفرص للتدخل هذه المنطقة ووضع يدها على مقدراته من ناحية أخرى.
والنتيجة هي مزيد من عدم الاستقرار الذي يؤثر على الأمن والتنمية والتطلع الإيجابي نحو المستقبل. وبسبب هذه الأوضاع المتأزمة أصبح العالم العربي من أكثر مناطق العالم تسلحاً عوضاً عن أن يكون من أكثر المناطق تنمية.
دروس التاريخ لم تنفك تذكرنا بخطورة هذا الوضع، فقد سقط العالم العربي من قبل بين فكي مثل هذه الكماشة، والسبب كان ضعف الأنظمة السياسية وتركيزها على مصالحها الضيقة عوضاً عن مصالح الوطن العليا. التاريخ كذلك يذكرنا بأنظمة باعت أنفسها للعدو من أجل مصالح وقتية حتى وقعت في الحفرة، التي حفرتها للآخرين، ولكن التاريخ أيضاً علمنا دروساً أخرى، وأن الظلام دوماً ينجلي ليأتي فجر جديد، فاليأس العربي لا بد أن ينجلي ليأتي بالأمل.
وبين الظلام الذي تشهده الساحة العربية وبين الأموال التي جندت للتسلح والعسكرة التي حولت العالم العربي إلى ساحة حرب متواصلة، جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتشجيع القراءة بين الشباب في العالم العربي كونها بارقة أمل تشيع السعادة والمعرفة بين الناس، فالقراءة هي أساس الثقافة والثقافة هي الأمل للعرب لنفض الغبار عنهم، واللحاق بركب الحضارة، فالقراءة هي أساس المعرفة بالحقوق والواجبات، بينما الجهل هو أساس كل الآفات الاجتماعية.
مبادرات الإمارات الإنسانية هي بارقة أمل أخرى للشباب العرب الذين يتطلعون إلى مجتمع فاضل، يستطيعون العيش فيه والتنافس الإيجابي في مضمار التنمية. ولهذا تعد مبادرات الإمارات بمثابة النور الذي يبدد الظلام في العالم العربي.
إن التاريخ سوف يظل يتذكر مبادرات الإمارات الحضارية في هذا الوقت الذي يركز فيه الآخرون على التسلح والعنف والحروب والعسكرة وهي الأمور التي تخلق نوعاً من الاحتقان وإشاعة البغضاء بين بنى البشر، فتلك المبادرات الحضارية هي شعاع الأمل الذي سوف يغير العالم العربي من حال إلى حال. سوف تدخل هذه المبادرات التاريخ كونها بارقة الأمل التي غيرت الأوضاع وحولت الأنظار من ساحات الحروب إلى ساحات المعرفة والتنمية. إن الخط الذي اختطه بناة الاتحاد منذ عهد زايد وراشد هو الخط الذي تسير عليه الإمارات في سياستها التنموية اليوم.