يُعد البعد الإنساني توجهاً أصيلاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي أصبحت من الدول الرائدة في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

والحقيقة أنّ التوجه الإنساني للإمارات يستند إلى إطارٍ فلسفي، يُلخص معالم النموذج التنموي الإماراتي، الذي يجمع خليطاً مبتكراً من قيم إنسانية عالمية، يأتي في مقدمتها التضامن الإنساني والتنوع الثقافي والإثني والتسامح؛ ومقومات إسلامية موجِهة كون الإسلام مكوناً رئيساً للثقافة المجتمعية والسياسية الإماراتية؛ وقيم عربية أصيلة وفي مقدمتها الكرم ومَد اليد وعدم التخلي عن الإخوان والأصدقاء وقت الشدة والتكاتف والشهامة.

وفي هذا الإطار، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وهي إحدى أكبر المؤسسات الإنسانية والتنموية في المنطقة، تضم تحت مظلتها 28 برنامجاً ومؤسسة إنسانية. وتستهدف مبادرة محمد بن راشد الإنسانية تحسين حياة أكثر من 130 مليون نسمة، ينتمون إلى أكثر من 60 في المائة من الدول أعضاء الأمم المتحدة، مع التركيز على البلاد العربية، خلال السنوات المقبلة.

وتنطلق المبادرة من رؤية شاملة في التنمية البشرية، بتركيزها على مكافحة الفقر والمرض ونشر المعرفة وتطوير التعليم ودعم التمكين المجتمعي وتشجيع الابتكار.

وقد جاءت المبادرة في توقيتٍ مثالي عالمياً وعربياً. فمن ناحية، أُعلن عن هذه المؤسسة الإنسانية العملاقة بعد أيام معدودة من اختتام أعمال القمة العالمية للتنمية المستدامة، التي نظمتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والتي تم خلالها اعتماد أهداف التنمية المستدامة في العالم. وهكذا، تتقدم دولة الإمارات الصفوف لدعم الجهود الدولية في القضاء على الفقر وبناء حياة كريمة للجميع.

ومن ناحيةٍ أخرى، يتطلع المراقبون إلى أنْ تسهم المبادرة الإماراتية، التي تجعل من المنطقة العربية مناط تركيزها، في التصدي لبذور الكراهية والعنف والإرهاب، وهي الفقر والجهل والفراغ والتمييز، المنتشرة في هذه المنطقة من العالم. كأنّ المبادرة الإنسانية لنائب رئيس الدولة لا تنفصل عن جهد الإمارات الدؤوب في محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف الذي يُفضي إليه.

كما يُدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كما بيّن في أكثر من مناسبة، أهمية الدبلوماسية الإنسانية كأحد مصادر القوة الناعمة للإمارات. فالمساعدات والمبادرات الإنسانية والتنموية لديها القدرة على تشكيل صورة الدولة في الخارج، والتواصل مع الجيران والإقليم الواسع من خلال إرسال رسائل إيجابية للصداقة والشراكة، وتأسيس دور دولي إنساني لدولة الإمارات.

وتنطلق رؤية بوراشد لدور الإمارات الإنساني على الصعيد الدولي من تصورٍ شامل للعمل الإنساني، تتلخص أبعاده في أنّ العمل الإنساني هو في الأساس عمل أخلاقي، بعيداً عن أية مصالح أو أهداف سياسية.

والمتابع لسياسة الإمارات في مجال المساعدات الخارجية يلاحظ تجسيدها نموذج التضامن الإنساني، الذي لا يعرف الحدود أو الحواجز، ويعمد إلى تقديم العون والإغاثة إلى مستحقيهما من دون تمييز بين جنس أو عرق أو دين، ويجعل الحاجة هي المعيار الوحيد لتقديم المساعدة، ويُعطي الهمّ الإنساني أولوية على أجندته.

وإذا كانت المساعدات المقدمة من العديد من الدول الأخرى، ولاسيما الدول الكبرى، تتضمن شروطاً سياسية واضحة، فإنّ المساعدات الإماراتية اكتسبت طابعاً إنسانياً خالصاً، بعيداً عن فرض الشروط والإملاءات السياسية التي تُلوث الجهود الخيّرة، وتأباها دولة زايد الخيْر.

علاوة على ذلك، يُسهم الدور الإنساني لدولة الإمارات، بحق، في تحقيق الأمن الإنساني العالمي في أبعاده المتعددة، التي تتضمن الأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن الاقتصادي والأمن البيئي.

ويتسم الدور الإنساني الخارجي للإمارات بالشمول والتنوع؛ حيث لا يقتصر على تقديم المساعدة أو المعونة، وإنما يدمجها ضمن جهد تنموي طويل الأجل، يساهم في تنمية المناطق التي توجه إليها. ومن هنا، نفهم تركيز مبادرة محمد بن راشد الإنسانية ليس فقط على توفير الاحتياجات البشرية الأساسية من صحة ومكافحة الأمية والفقر، وإنما أيضاً على توفير المعرفة ونشر الثقافة وتطوير التعليم وتنمية الابتكار وإعداد القادة.

وقد نال الدور الإنساني لدولتنا اعترافاً عالمياً متزايداً؛ فهي من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية، مقارنة بالدخل القومي الإجمالي، وفقاً للأمم المتحدة.

وهي الجهة المانحة الإنسانية الرائدة في منطقة الخليج، طبقاً لتقرير المساعدة الإنسانية العالمية الذي نشرته منظمة مبادرات التنمية بالمملكة المتحدة. والأهم من ذلك أن الإمارات تقدمت في العطاء الإنساني على دول ذات سمعة عالمية طيبة في هذا المجال كالنرويج والسويد ولوكسمبورغ، كما بيّنت تقارير عالمية ذات صدقية عالية المستوى.