خلال الشهر الجاري، انتشرت ثلاثة مقاطع فيديو مروعة لأطفال يتعرضون للضرب في مدارس الإمارات. وأثارت هذه المقاطع، الكثير من الجدل في المجتمع حول العنف في المدارس والهواتف المتحركة في أيدي الطلبة، وغيرها من المواضيع المرتبطة بهذه القضية.

الكثير من الآباء، وربما أيضاً الأمهات، تخيل رؤية ابنه في وضع مشابه لما تعرض له هؤلاء الطلبة الصغار. في هذا السيناريو التخيلي، تكون ردة الفعل التي يتصورها الأب الذهاب مباشرة إلى المدرسة، وأن يقابل المدرس لكي يرد عليه بعنف جسدي مماثل ويزيد عليه.

ربما يرى بعض أولياء الأمور، مطالبة بعض أعضاء هيئة التدريس بمنع الهواتف النقالة في المدارس أمراً مرفوضاً، كونه كشف ما يدور في الصفوف المغلقة، وربما يعتقد بعض أولياء الأمور أن هذه المشاهد التي يتعرض فيها الطلبة للعنف الجسدي، جزء من ممارسات ربما أكثر أو أسوأ.

مقاطع العنف ضد الطلبة، ربما تسبب شروخاً في حاجز الثقة بين أولياء الأمور والطلبة من جانب، والمدارس وأعضاء هيئاتها التدريسية من جانب آخر. اليوم، نحن في حاجة إلى تعزيز أواصر التعاون والثقة بين الطرفين، لتكون مخرجات التعليم بمستوى طموحات دولتنا، وليتحقق هذا الأمر، لا بد من أن يعمل الجميع سوياً لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

في الجانب الآخر من العملية التربوية والتعليمية، أعضاء هيئة التدريس، الذين يتعرضون لضغوطات شتى في هذه المهنة الشاقة. فلربما تكون هناك ضغوطات من الهيئة الإدارية في المدرسة على المعلم، إلى جانب الوزارة المعنية، وزيادة الأعباء على المعلمين وزيادة الحصص.

هذا جانب من الضغوطات على المعلمين، والجانب الآخر هم الطلبة، الذين بكل تأكيد يمثلون ثقلاً على المعلمين. فالطلاب اليوم يختلفون تماماً عن الطلاب في بداية مسيرة التعليم النظامية في السبعينيات ولغاية بداية التسعينيات من القرن الماضي. فالطالب اليوم أكثر جرأة وانفتاحاً واطلاعاً، في ظل المتغيرات التقنية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والعولمة والشبكة المعلوماتية.

المعلم اليوم أمام جيل جديد، يتطلب التعامل معه أساليب تربوية مختلفة عن طلاب أيام زمان. وربما هناك فئة قليلة من الطلاب اليوم، تجاوزت، للأسف، حدود الجرأة، لتبلغ الوقاحة في التعامل مع الآخرين. هؤلاء لا بد أن يكون لهم نصيب أكبر من الجانب التربوي في إطار المؤسسة التعليمية.

بعض الأصوات من أولياء الأمور، لا تمانع بحظر الهواتف النقالة في الصفوف، ولكنها تطالب بتركيب كاميرات مراقبة فيها لمتابعة السلوكيات الخاطئة، ولتشيع الاطمئنان في نفوسهم، كون فلذات أكبادهم لا يتعرضون للعنف إطلاقاً. لكن هل هذا الأمر منطقي، بأن تتم مراقبة مئات الآلاف من الطلبة والمدرسين؟ ربما تكون التكلفة المالية أكثر نفعاً، بأن تصب في صالح المخصصات المالية للمعلمين.

من المنطقي أن يكون الطالب في مأمن داخل الحرم المدرسي، وإن كانت هناك سلوكيات غير سوية، لا بد من التصدي لها. هناك ربما فئة قليلة من الطلبة تتعرض لعنف في منازلها، ولكن ليس من المنطقي تركيب كاميرات مراقبة في المنازل لمواجهة هذه المشكلة.

باختصار، هناك إشكالية تواجه بعض المعلمين مع فئة من الطلبة التي تتجاوز حدودها، وكذلك الأمر بالنسبة للمعلمين، حيث توجد فئة قليلة، مثلما شاهدنا في الفيديوهات الثلاثة المؤسفة، تتجاوز أيضأ حدودها. ولا بد من وضع حلول ناجعة لتستقيم العملية التربوية والتعليمية. لا بد من مبدأ الثواب والعقاب في المدارس.

في مرحلة ما قبل منتصف التسعينيات، كان للمدرس أن يضرب الطالب المقصر في الواجبات المدرسية، وكذلك من يسيء التصرف في المدرسة وبجانبها. كان «الضرب تأديبياً»، من أجل التهذيب والتقويم، ويقدر بحسب التقصير والإساءة.

ما شاهدناه في الفيديوهات الثلاثة، كان الضرب عدوانياً انتقامياً، بعيداً كل البعد عن التربية والتعليم، واستهدف المعلمون الثلاثة، الجزء العلوي من جسد الطلاب، وتحديداً منطقة الرأس. هذه الاعتداءات ستترك أثراً نفسياً لدى هؤلاء الطلبة، وربما تقود الطالب إلى مسالك غير سوية في حياته. وهذه التجاوزات كانت موجودة في السابق في فترة ما قبل بداية التسعينيات..

وكان هناك قلة من المدرسين الذين تجاوزا حدودهم، وتمادوا في الضرب وتوجيه الإهانات لبعض الطلبة، ولم يكن لها وقع كبير في المجتمع، نظراً لاختلاف الظروف، وعدم توافر الوسائل التقنية في ذلك الوقت.

ربما من المهم أن يبحث المختصون في مجال التربية والتعليم، كيفية تقنين عملية الثواب والعقاب في المدارس، لإيجاد التوازن المطلوب، وفرض احترام المعلم، وتصحيح سلوكيات بعض الطلبة المسيئين. فتقنين مسألة العقاب تحديداً، سيكون لها أثر إيجابي في تصحيح سلوكيات بعض الطلبة، وستلقى أيضاً قبول ورضا أولياء الأمور عن الإجراءات المتبعة لتصحيح هذه السلوكيات، في ظل احترام كيان وإنسانية الطالب المسيء.

على سبيل المثال، تخصيص «غرفة جزاء»، يكون مسؤول عنها تربوي يتبع دليلاً إرشادياً واضحاً لمعاقبة الطالب المسيء، وتكريم الطالب المجتهد، ويتم تركيب كاميرا مراقبة في هذه الغرفة. فعندما يسيء الطالب التصرف، فعلى المدرس أن يحيله إلى «غرفة الجزاء».

والدليل الإرشادي، لا بد أن يراعي المراحل العمرية للطلاب، وأن توضع العقوبات بشكل متدرج وصريح وواضح، من حيث التكرار والمدد الزمنية. مثال: تكليف الطالب بعمل خدمة داخل أسوار المدرسة، الاعتذار علناً، الوقوف مقابل الحائط لوقت محدد، ضرب بالمسطرة على الكفين، قص الشعر (للأولاد فقط)، تنظيف ساحة اللعب، المنع عن الرحلات المدرسة، وغيرها من العقوبات.

إن احترام المعلم أمر أساسي لنجاح العملية التربوية والتعليمية، ولا بد أن تكون هنالك ثقافة عامة لدى المعلمين والطلبة بضرورة الاحترام المتبادل، وأن يتم الإبلاغ عن التجاوزات من خلال قنوات واضحة ومحددة.