خرجت قبل فترة سامانتا باور السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة لتعلن أنّ «الحرب الأهلية في أي بلدٍ نامٍ يمكن أن تعيد اقتصاده 30 سنة إلى الوراء»، و سأتجاوز -دون إحسان الظن بها- ذكر الاقتصاد و إغفال التنمية البشرية و حق البشر في حياةٍ آمنة فذلك ما يهم القوى الرأسمالية فقط و التي لا ترى أبعد من مصالح سادة المال فيها و لو كان ذلك على حساب مآسي الآخرين و هو ما يؤكده بصراحة نادرة المفكر الألماني هاينز مولر بقوله: «إنّ فردوس الغرب مبني على جحيم العالم الثالث» !
السيدة باور تتناسى أن بلادها ذات دورٍ لا تحسد عليه في إشعال الحروب الأهلية في العديد من البلاد التي عضها الجوع والفقر والخوف، ثم تُقدّم نفسها لاقتراح خطط لإخماد تلك الحروب و التشنيع على المشاركين بها في نهجٍ متعارف عليه لدى اللاعبين الكبار لإنهاك الشعوب الصغيرة تمهيداً لاستنزاف مواردها و الضغط عليها ببرامج إنمائية تجعلها تدفع اتاواتٍ و فوائد لأمدٍ زمني لا ينتهي و لا يخرجها من عبودية أولئك الكبار !
لم تكن اليمن ببعيدٍ من ذلك السيناريو الجهنمي، و لكن تدخل قوات التحالف العربي بقيادة السعودية لإنقاذها فوّت الفرصة على جميع المتآمرين وانزاح شبح الحرب الأهلية بعد أن أصبح السجال بين قوات الشرعية و بين عصابات الاجرام المسنودة من إيران وعفاش، و لا يبدو على قيادة التحالف أي تساهل في تلك القضية رغم محاولات «أبواق» اللاعبين الكبار في لجانهم الأُممية لايجاد مدخل يسمح بجر اليمن لحربٍ أهلية، و ذلك ما يُفهَم من دعوات يان إلياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة لإجراء محادثات سلام و إنهاء الحصار و فتح مزيد من الموانئ للسماح بتوصيل إمدادات الطاقة و غيرها من الضروريات، و من الجلي أنّ «سعادته» ينقل تعليمات «الأسياد» لإيجاد متنفس يسمح لإيران و تجار السلاح بإمداد عصابات الحوثيين بالعتاد الثقيل من أجل الاستمرار في الصراع بعد أن ضيّق جنود التحالف الخناق عليهم، لجر البلاد لحرب أهليةٍ من جهة و للاستفادة القصوى مما يسمى «اقتصاديات الحرب»و هي الأموال التي تأتي من تجارة السلاح والتعاملات المرتبطة بالحروب، مثل الاتجار في المواد الخام أو السلع الضرورية
تتغذّى الحروب الأهلية على حطب الفقر و نار الجوع و رياح اليأس بمستقبلٍ أفضل، و عندما تطول الصراعات العسكرية تتأخر التنمية و إصلاح ما أفسدته الحكومات السيئة، و كلما طال الأمد كلما أصبح الناس أقرب للثورة على كل شيء، فاليائس لا يهتم لأي جهةٍ سيرمي حجارته حتى لو كان على نفسه، لذلك كان من الضروري أن يتم التعامل مع محنة اليمن بعقلية مختلفة، فالانتصارات العسكرية المتلاحقة لقوات التحالف أرضاً و جواً و بحراً،كان من المهم أن يعضدها أمرٌ آخر يرى ما سوى البعد العسكري و السياسي حتى لا تطول المحنة بإخواننا من المدنيين و ذلك ما فعلته الإمارات و ذلك ما حظي باهتمام كبير من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تحديداً
يؤمن الشيخ محمد بن زايد بنهجٍ استباقي مميز جدير بمحاكاته لكل من يهتم بأمر اليمن وهو «التنمية في زمن الحرب» إذ لا يقبل أن نتأخر يوماً واحداً و نتحجج بظروف الحرب لتعطيل تغطية حاجات المدنيين أو تأخير التنمية، فتوفير الخدمات الضرورية في المناطق المحررة مهم للغاية و كذلك للمناطق التي لازالت تحت نيران عصابات عفاش و الحوثيين و لكن بالامكان ايصال مساعدات لها، ففي منظور سموّه أن الهدف الأكبر ليس الانتصار و دحر المتمردين عسكرياً و لكن الهدف الرئيسي هو منح فرصة للحياة الكريمة و فتح أبواب الأمل بمستقبل واعد لإخوانه و أبنائه اليمنيين في وطنٍ حُر، فنزع الشرّ بداية التصحيح و لكن بذر الخير و رعايته هو ضمان ديمومة التصحيح و قطع الطريق على قادم المؤامرات و مروّجيها و حائكيها امتثالاً لنهج «بو خالد» لم يكن مستغرباً أنّ الإمارات احتلت المرتبة الأولى عالمياً كأكبر مانح لليمن بمبلغ جاوز الـ760 مليون درهم، و تم إنفاق 314 مليون درهم لإصلاح شبكات الكهرباء.
فيما بلغت قيمة المساعدات الغذائية نحو 203 ملايين استفادت منها 191 ألفا عائلة يمنية بما يقارب 1.15 مليون شخص، و تم تأهيل 5 مستشفيات كبيرة و 14 مؤسسة صحية و 9 مجمعات طبية بـ80 مليونا و أدوية بقيمة 122 مليونا بالاضافة لـ15 طناً من الأدوية لمستشفى الشيخ خليفة بسوقطرى، و تم انفاق 41 مليونا لتوفير مياه الشرب و اصلاح شبكات الصرف الصحي و 7 ملايين لقطاع النقل العام و 14 مليونا لتوفير الوقود، و 12 مليونا لمواد اغاثية متنوعة و 46 مليونا لخدمات الدعم و التوزيع، و لإيمان سموه بأهمية التعليم لبناء يمن حديث قوي بأبنائه فقد تم إعادة إعمار 50 مدرسة في محافظة عدن فور تحريرها من أصل 154 بميزانية بلغت 10 ملايين دولار لاستيعاب 138 ألف طالب و لأنّ المناطق المحررة تحتاج لقدرات أمنية لضمان استتباب الأمن و حماية المدنيين من المتمردين و فلول الارهابيين فقد رصدت الإمارات إرسال 100 سيارة شرطة مجهزة لتوزيعها على المراكز الشرطية بعدن بالإضافة لتمويل و إدارة خطة تأهيل و تدريب قرابة 6000 من قوى الأمن اليمنية، فضلاً عن توفير 8 سيارات إطفاء حديثة، علماً بأنه يوجد 170 موظفاً للهلال الأحمر الإماراتي يقدمون الغذاء و العلاجات يومياً لأكثر من 4330 أسرة محتاجة، و تم تسيير 9 بواخر بحمولة 20 ألف طن من المواد الاغاثية و مواد البناء لإعادة تعمير ما هدمه الحوثيون، و أكثر من 50 شاحنة محملة بما قيمته 63 مليونا من الأغذية، و 14 طائرة حمولة كلٍ منها ما يقارب 75 طنا من الأغذية و الأدوية!
لا نمنّ على اخواننا و لكنها ذكرى لمن يغالط الحقائق و شكر لمن يستحق الشكر، و لئن كثر الذئاب على اليمن من «عفافشة» و حوثيين و دواعش و قاعدة و من يدعمهم سراً أو علناً، فإن وقفة «بو خالد» تتحدث نيابة عن كل عربيٍ شريف بأننا لن نتركك وحيداً للذئاب يا يمن !