وصلت الانتهاكات الإسرائيلية الذروة أخيراً بهجمات متكررة على الحرم القدسي الشريف. موجات من عشرات ومئات وأحياناً آلاف من المستوطنين المدججين بالسلاح يقتحمون الحرم القدسي.
الجيش والأمن الإسرائيليان يقومان بدور القيادة والحماية والدعم اللوجستي للمستوطنين، المتطرفين سياسياً وعقائدياً. الهدف ليس كما يزعم الاحتلال هو الصلاة في ركن من أركان المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف. الهدف هو الاستيلاء الكامل على المكان وتهويده.
يكون ذلك بعد حرقه أو نسفه أو تدميره بحيث يُفسَح المجال أمام بناء الهيكل المزعوم. بذلك تُطوى صفحة القدس العربية الإسلامية بشكل شبه نهائي. يشكل الحرم القدسي الشريف العمود الفقري لكينونة الوجود العربي والإسلامي في المدينة التاريخية الأثرية والمقدسة.
تستغل إسرائيل انشغال الفلسطينيين، والعرب والمسلمين، بقضايا داخلية وتغيير وحروب أهلية، وتدخلات دولية خارجية غايةً في السلبية. الجبهة الداخلية الفلسطينية منقسمة على نفسها ليس فقط بين حماس وفتح، وسلطة مركزية ومعارضة سياسية.
المجتمع الفلسطيني يعاني الضعف اللوجستي والحصار داخلياً، والتشتت والقيود والملاحقة خارجياً. ذلك مما يقلل من كفاءة جهوده لمقاومة الاحتلال ومخططاته للهيمنة والسيطرة، بل إنهاء ما تبقّى من مقومات استمرار القضية الفلسطينية حيةً.
بالرغم من ذلك فالشعب المكبل بالقيود والحصار، وأدوات الإضعاف، يسطّر ملاحم بطوليةً في التصدي للآلة الهمجية الإسرائيلية المنظَّمة والمبرمجة. لا يفهم القادة الإسرائيليون غير لغة القوة والعنف في التعامل مع الآخرين. السكين والحجر الفلسطينيان يتصدران الأسلحة المتاحة والمستعملة لمواجهة الفاشية الصهيونية اليهودية.
الأخيرة متجسدة بهجمات مكثفة ومتواترة من المستوطنين من ذوي السترات المضادة للرصاص وطعنات السكاكين.
الجبهات العربية التقليدية المساندة للقضية الفلسطينية تعاني التشتت والتمزق والركود، وحتى التراجع والتنكر للأخوّة والمصير المشترك في بعض الأحيان. العرب والمسلمون يمرون بمرحلة من الضعف والهوان والحيرة والتردد بحيث أصبح التعويل عليهم أمراً غير وارد أو محبذ لتقديم دعم فعال، ولو بالحد الأدنى. بات الفلسطينيون أقرب إلى الأيتام قومياً ودينياً ومعنوياً ومادياً وسياسياً. هذا مع احتفاظ إسرائيل بقوة عسكرية وسياسية ومجتمعية مركزية هائلة مقارنةً بحال الفلسطينيين.
لم تزل الدول الغربية وخاصةً الولايات المتحدة تقدم الدعم العسكري والسياسي المطلوب لإسرائيل بحجة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي. يجري هذا في ظل غياب أي استنكار فعال للاستفزازات الإسرائيلية من الدول الغربية الأخرى. حتى دول المعسكر الشرقي مثل روسيا والصين وغيرها باتت تقدم دعماً سياسياً خجولاً في سبيل وقف إسرائيل عن التمادي في استفزازاتها المشينة لمشاعر العرب والمسلمين، والرأي العام والقانون الدوليين.
السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلةً بالزعيم الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، والذي يتمتع بحنكة سياسية وإدارية غير عادية محلياً وإقليمياً ودولياً، باتت في وضع لا تُحسد عليه. يعود ذلك للحصار السياسي والمادي والمعنوي المفروض عليها من كل اتجاه.
هذا في مواجهة العنجهية اليمينية الإسرائيلية التي تحتقر التواجد الفلسطيني في كل مكان من العالم. تود لو ترى فلسطين دون شعب فلسطيني عربي مسلم إلى جانب إسرائيل. السلطة الفلسطينية صامدة أمام مطرقة إسرائيل وسندان المعارضة السياسية الفلسطينية، أو العكس بالعكس يذكر. لم يبق أمام الفلسطيني العادي إلا أن يحمل السكين والعصا والحجر والمقلاع، وقبل هذا وذاك روحه ودمه على كفه، لمقاومة الهجمة اليهودية الشرسة الوقحة والهمجية الفاشية على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
الأيام المقبلة حبلى بالتطورات والمفاجآت وستكشف الكثير من الأسرار. أغلب التوقعات تشير إلى استمرار العدو الإسرائيلي في نهجه العدواني الفاشي العنصري. يعتقد قادة إسرائيل بسهولة التغلب على مقاومة ضعيفة عسكرياً، ثمة صلبة عنيدة وقوية عقائدياً لا تعرف التساهل أو التراخي أمام الأطماع الجيو-سياسية عقائدية صهيونية.
كالعادة فالطرف الفلسطيني يقدم التضحيات المادية والجسدية بالروح والدم، والاعتقال والتعذيب مقابل وقف المخطط الصهيوني للاستحواذ على حتى العنوان الروحي له وللأمتين العربية والإسلامية. الأمل كبير بنصر يأتي من بين ركام الضعفاء والمستضعفين والأسرى والشهداٍء والجرحى، رغم أنف المتهاونين والمتهاوين هنا وهناك.