«المحبة، والتعاون، والتماسك، والسير على نهج الكتاب والسنة، مستشعرين الأهمية الكبرى والمسؤولية العظمى الملقاة على عاتق المملكة قيادة وشعباً تجاه ديننا الإسلامي الحنيف، والحفاظ على نعمة الأمن والأمان في هذا البلد الطاهر، منبع الإسلام، ومهد العروبة».. بهذه الكلمات العظيمة والموجزة، ذات الدلالات العميقة، استهل مولاي خادم الحرمين الشريفين – أيده الله- خطابه وتوجيهاته لأبنائه الإعلاميين والمثقفين والأدباء والفنانين. إنها استراتيجية متكاملة للعمل على تعزيز الهوية الوطنية.. وهي ذاتها الهوية التي يتشاركها جميع دول مجلس التعاون دون استثناء، فهم مجتمعون.. منبع الإسلام، ومهد العرب، ومنطلقهم.
إنها هويتنا الأصيلة الضاربة في أعماق التاريخ العربي والإسلامي، والحضارة الإنسانية، وفي جذور هذه الأرض الطيبة المباركة، التي اصطفاها المولى تبارك وتعالى لتكون أرض «الأمن» و«الاطمئنان» و«الرزق»، وليكون أهلها «خير أمة أخرجت للناس» كما جاء بذلك الوحي الذي نزل هنا، وعلى ابنٍ من أبناء جزيرة العرب، ليكون سيد ولد آدم، وليحمل لواء نشر هذا النور وتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى أبناء هذه الجزيرة.
واليوم أضحى تعزيز هذه الهوية هو دور ومسؤولية هذا الجيل من أبناء دول مجلس التعاون قاطبة، الذين يتشاركون في الأصول والجذور والفروع، في التاريخ، والحاضر، والمستقبل، في الفكر والحضارة والتراث والثقافة، في الغاية والهدف.
وحدة واحدة، وهوية واحدة...هذه الهوية التي نعتز بها، وتعزيزها، هو الذي يشغل فكر ولاة الأمر، حفظهم الله، وهي وصية خادم الحرمين الشريفين لإعلاميينا، ومثقفينا، وفنانينا، وأدبائنا.. وقد أكد ـ رعاه الله- على وعيهم بذلك، وسيرهم عليه، لكنها ذكرى، وتواصٍ بالحق. ولأهمية الأمر، وجلله؛ أعاد على مسامعهم وصيته العظيمة في العمل على تعزيز هذه الهوية الوطنية وجعلها المنطلق لكل أعمالهم ومساعيهم وأنشطتهم.. وأي وصية أعظم؟
لم تكن هذه الوصية، وهذا الخطاب إلا امتداداً لما تتمتع به قيادتنا الحكيمة من أصالة، وعراقة، وسمو هدف، ونبل غاية، واستشعار بعظم المسؤولية، ولما حباها الله به من هِمّة، وعزمٍ، وحنكة، ودراية، وبعد نظر، وهي نعمة عظيمة مَنَّ الله بها علينا في هذه البلاد، أن رزقنا أعظم وأنقى وأرقى قادة على وجه البسيطة، وبشكره ـ سبحانه - تدوم النعم، فلله الحمد من قبل ومن بعد.
أجل؛ لم يكن حرص خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – من فراغ، فعلى هذا الأمر قامت هذه البلاد، وعلى هذا النهج استمرت، منذ تأسيس الدولة الأولى قبل أكثر من 300 عام، وإلى يومنا هذا.. وقبل هذا التاريخ، مَرّت عدة قرون على أبناء الجزيرة وهم نَسياً منسيا، يعيشون على هامش الحضارة والتاريخ، فكان أن انعكس ذلك على تاريخ وحضارة العرب والمسلمين ككل في تلك الحقبة المظلمة التي شهدت تقهقر الحضارة العربية والإسلامية، إلى أن قيض الله لهذه البلاد قادة عظام التم حولهم أبناء الجزيرة لينهضوا من جديد.
وفي هذا السياق نفهم كيف أن علماء السياسة يولون «الهوية» الأهمية الكبرى، والدرجة العُليا، في نشأة الدول، وقيامها، واستمراريتها، والحفاظ على أمنها واستقرارها ونمائها. حيث صَنّف فلاسفة وعلماء الفكر السياسي «الهوية، والعقيدة، والفكر» ضمن المصالح العليا للدولة، تماماً كالأرض Territory، والشعب أو السكان Population، والبقاء Survival، والأمن Security، والأمان Safety. فالعقيدة والهوية والدين مصلحة وطنية عُليا أساسية، وسميت «عليا» لأن الدولة تتزعزع وتنهار إن هي فقدتها. والدولة ــــ أياً كانت ــــ لن تتردد في الدخول في حرب لضمانها وتأمينها وحمايتها.
وتجدر الإشارة إلى التجربة الرائدة والفاعلة والمميزة لمؤسسة «وطني الإمارات» ودورها الفريد في تعزيز «الهوية الوطنية» والتي أتمنى أن تعمم تجربتها في بلادي المملكة العربية السعودية، وسائر منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، كما أشير إلى كتاب «الهوية الوطنية والمواطَنة الصالحة» للدكتورة أمل بنت حميد بالهول والتي هي دراسة علمية محكمة وضعت من خلالها الدكتورة خارطة طريق متكاملة لدور الأسرة والمدرسة في تعزيز وتنمية «الهوية والمواطنة الصالحة» بين النشء. وهي دراسة هامة سأتناولها بشيء من التفصيل في قادم الأيام بمشيئة الله.
وعوداً على ذي بدء؛ وبعيداً عن نظرية «المؤامرة»، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى تعرضنا وتعرض هويتنا الخليجية، والسعودية خاصة لحملات إعلامية دعائية تشويهية مستمرة، نظراً لما نتمتع به من ثقل ديني، وسياسي واقتصادي وأمني وعسكري، ولأهميتنا ومكانتنا الاستراتيجية في العالم الإسلامي.
كما أن المتابع يلحظ بجلاء تصاعد هذه الحملات العدائية في كل موقف نقفه نصرة للحق والعدل وترسيخ للسلام، ودفاعاً عن مصالحنا ومصالح الشعوب العربية والإسلامية، والدين الإسلامي الحنيف. وهو ما رصده، وأشار إليه بوضوح معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، وحول هذا الأمر أكمل مقالتي الأسبوع المقبل، فإلى اللقاء.