ما هو أسوأ ما يمكن ان يحدث في نزاع داخلي في اي بلد؟ أسوأ ما يمكن ان يحدث هو أن يختزل مصير البلد والشعب في شخص واحد، اي في شخص رئيس لا يريد مغادرة الحكم رغم كل المآسي التي تسبب فيها.

مرحلياً، يبدو الروس والايرانيون متفقين على اهدافهما في سوريا وهي منع سقوط بشار الأسد والنظام. لكن هذا لا يعني بالضرورة التمسك بشخص بشار الأسد بل ان الهدف هو ما بعد بشار الأسد. هنا، ليس هناك من سيناريو ماثل للأذهان سوى واحد: ان تسقط سوريا بيد المتشددين الاسلاميين.

أي بيد اولئك الذين يشكلون نقطة الاتفاق الوحيدة بين حلفاء النظام الاقليميين واعدائه. ترجمة هذا الكلام: اذا كان سقوط بشار أو خروجه من الحكم حتمياً، فان روسيا وايران تريدان ضمان من سيخلفه والمحافظة على مصالحهما الحيوية، وبالمثل ينظر باقي الفرقاء لسيناريو اليوم التالي لسقوط بشار الأسد ونظامه.

لكن هل تنسجم المصالح الروسية مع المصالح الايرانية بالضرورة؟ على المدى البعيد فان روسيا وايران ليستا متفقتين بل وعلى تناقض. الثمن والاهداف التي يريدها الروس من تدخلهم مختلف عن الثمن والأهداف التي يريدها الايرانيون. فالروس ليس لديهم ايديولوجية يسعون لنشرها في سوريا مثل الايرانيين الذين يعملون على نشر التشيع، كل ما يعنيهم هو مجيء نظام صديق يضمن لهم مصالحهم.

كما ان الروس وفق افضل تصوراتهم، ستبقى سوريا بلداً حليفاً أو صديقا بأي معنى من معاني التحالف، على عكس الايرانيين الذين يسعون لتحويل سوريا الى بلد خاضع لهم عبر الهيمنة الطائفية ودون اي ندية مع من يحكمها، فالإيرانيون لم يعودوا ينظرون لسوريا بلداً مستقلاً يملك قراره.

لقد أرسل الروس ما يكفي من الاشارات المباشرة وغير المباشرة ومنذ وقت طويل لكي يفهم العالم أن مصير بشار الأسد ليس هو الغاية النهائية لتدخلهم في سوريا او وقوفهم مع النظام رغم ما يوحي به ظاهر الأمر، الحاجة له مرحلية.

فهناك المصالح الروسية والاهداف الجيوسياسية بعيدة المدى، القاعدة البحرية في طرطوس والمقايضة او الضغط في مسألة اوكرانيا دون ان نستبعد الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية في هذا الصدد سواء كانت مخزونات النفط في سوريا خصوصا في البحر الابيض المتوسط او حتى الوقوف بوجه الخطط المنافسة لخطوط الغاز الروسي الى اوروبا.

تبدو المعضلة اكبر بالنسبة لإيران فيما خص مصير بشار الأسد، فايران ليس لديها حلفاء حقيقيون داخل سوريا حتى وسط النخبة العلوية الحاكمة ما عدا بشار الأسد وبسقوطه او رحيله بأي شكل، ستكون المعضلة حقيقية لإيران في الحفاظ وجني مكاسب تدخلها المبكر منذ البداية والانفاق الهائل الذي استثمرته في سوريا. لهذا عمدت الى البدء مبكراً في ما يمكن اعتباره الخطة «ب» عبر انشاء بدائل وشبكات حماية لمصالحها.

فعدا قوات الحرس الثوري التي ارسلتها الى سوريا وعدا الميليشيات الشيعية التي انشأتها وأولت عسكريين ايرانيين قيادتها، باشرت ايران في خطط تغيير ديموغرافي عبر شراء الأراضي في دمشق ومحيطها ومناطق اخرى لترسيخ وجودها بشكل يصعب اقتلاعه او تحجيمه في المستقبل. ان وجود رئيس ضعيف بمثل ما هو وضع بشار الأسد حالياً قد يكون مفيدا للإيرانيين لفرض املاءاتهم، لكن من الواضح أن الايرانيين بدأوا يعدون لسيناريو اليوم التالي منذ فترة ليست بالقصيرة.

اما الروس، ورغم تدخلهم العسكري المباشر وتبعاته، مازال بإمكانهم التعويل على نخبة سياسية لا من الحزب الحاكم فقط بل حتى في اوساط المعارضة المعتدلة بإمكانها ان تنجز معهم اتفاقاً يرعى مصالحها حتى في غياب بشار الأسد.

نقطة الالتقاء الأولى هنا هي الاتفاق على ابقاء مؤسسات الدولة. ما يهم الروس الآن هو الجيش السوري الذي بقي حتى الآن المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان أي حل سياسي يتم التوصل اليه وهو نفس التقييم الذي تتفق عليه المعارضة السورية المعتدلة (ضمن مبدأ المحافظة على مؤسسات الدولة) على العكس من التنظيمات الجهادية والارهابية.

كما ان بشار الأسد الذي راهن في البداية على تقديم نفسه حامياً للأقليات في وجه التطرف الإسلاموي، بات يمثل عبئاً حتى على جماعته من العلويين التي اهتزت ثقتها فيه وبلغت النزاعات داخلها الى عائلة الأسد نفسها عبر حوادث وصلت الى القتل.

بالمقابل، يعطينا تمرد الدروز في السويداء ورفضهم الانخراط في الميليشيات التي شكلها النظام، مؤشراً آخر على ضيق الاقليات به، أما صوت الاقليات الاخرى الخفيض في التعبير عن هذا الضيق فمرده انها مختطفة من قبل النظام الذي عمل منذ البداية على تخويفها من مصير اسود اذا هجرت معسكر النظام، فاختطف قرارها عبر تسليحها.

لقد اختزل الوضع السوري بكل تعقيداته الى عنوان وحيد هو «مصير بشار الأسد»، لكن المعنى الضمني الوحيد لكل هذا الضجيج حول مصير الأسد هو أنه قد تحول الى عبء على الجميع.

بنظر حلفاء النظام واعداؤه على حد سواء، ماتزال المعضلة السورية تحوم حول السؤال الذي انطلق منذ اليوم الأول لاحتجاجات الشباب في درعا: كيف يمكن ان يرحل رأس النظام مع المحافظة على الدولة السورية.