اعتادت الدول والشعوب في مختلف بقاع العالم التخطيط المسبق للمستقبل.. ومن ذلك برزت أهمية دوائر الرؤية المستقبلية، سواء في جوانبها السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية..

والاقتصاد هو عصب الحياة، والسياسة هي التي تدرس كل الاحتمالات، سواء الإيجابية أو السلبية، حتى تعزز الأول وتزيل مسببات الثاني، أما الجانب الاجتماعي وهو مهم، حيث إنه العمود الفقري، فالحراك الاجتماعي يزيد من حب الإنسان للعمل، وهو الذي ينقله من مكانة إلى أخرى، ومعها يتم تغيير المنظومة القيمية لديه، سواء السياسية أو الاقتصادية، وحتى الاجتماعية.

كل ذلك بعيداً عن متابعة أحزان ومآسي الإنسان، من غضب الطبيعة، إلى عنف الإنسان ضد غيره من البشر، بسبب أو بمزاجية سوداوية.

ومن الجوانب الإيجابية، الاهتمام بالعلم والبحث العلمي، فالعلم هو ضمان المستقبل، ولهذا جاء تأكيد العاهل الأردني عبدالله الثاني أهمية تبني سياسة عالمية وبنية تحتية تدعم العلماء، وخصوصاً الشباب، وهم عماد المستقبل، حينما طرح قائلاً: «ولن نستطيع أن نبني المستقبل الجامع والمستدام الذي يحتاجه العالم دون زخم الحماس للاكتشاف والابتكار».

هذه هي المملكة التي تخطت معظم الحواجز إلى التقدم والاعتماد على التعليم وهي الأساس. إن الخبرات العالمية في هذا المجال، ومنها التجربة الصينية واليابانية، تؤكد أهمية الأفراد في الخطط المستقبلية، فالمستقبل يبنى على الإنسان، ويبنيه الإنسان دون غيره.

ومن الذاكرة القديمة، أن وفداً زائراً لإحدى الدول، وحين المرور على الأقسام المختلفة، لفت أنظار أولئك شخص جالس في مكتب جدرانه من الزجاج، بحيث يراه الجميع وهو يراهم، فطرح سؤال عن عمل ذلك الإنسان في المؤسسة اعتماداً على ذلك السند الذي يحميه من الجميع!

لا عمل معين لديه، فقيل: لماذا لا تنهى خدماته وتوفر المؤسسة راتبه العالي سنوياً؟!

هنا قال ذلك المسؤول إنه صاحب الرأي المختلف والمبدع، وهو الذي يفكر من دون ضغوط العمل اليومي، وملاحقة تقارير رؤسائه المزعجة، تلك التقارير التي تلعب بها الأمزجة والمحسوبية، والحب والكراهية، فكم من إنسان ظُلم وهو المبدع والمتفاني في عمله، وما ذلك إلا أن رئيس العمل يرغب في توظيف أحد أقاربه أو معارفه حتى لو لم يكن لديه المؤهلات، بل ربما يسهم في عرقلة العمل في المؤسسة.

وكم من مبدع وعالم هاجروا إلى الغرب والذي تقدر العديد من دوله أولئك وتدرك أنهم صانعي المستقبل، وتوفر لهم ولعائلاتهم الحياة الكريمة.

وأخيراً وليس آخراً، لا يوجد إنسان مهما كان موقعه جرى الاتفاق عليه من قِبل الجميع، هذا من المستحيلات العشرين في العالم.

فهل لدى الدول العربية في الوقت الراهن أقسام مهماتها المستقبل؟! كما يطرحها الأستاذ نصر المجالي.. ربما يفكرون في ذلك في القرن المقبل، حين ذاك نعود إلى عصر ما قبل التقدم العلمي الهائل.

علينا أن نخطط للمستقبل قبل أن يدهمنا الزمن ونرى أنفسنا غرباء في عالم يتقدمنا بعشرات السنين، ونظل نحن نلتقط الفتات من هنا وهناك.