ربما قاد الحادث الإرهابي في باريس أجندة قمة العشرين في أنطاليا في تركيا إلى التركيز على الشأن السياسي رغم أنها هي قمة اقتصادية ومشروعها وتأسيسها انطلق من الاقتصاد.

وقد كانت مدينة أنطاليا التركية، التي شهدت إجراءات أمنية مشددة، تعج بالوفود السياسية والإعلاميين والاقتصاديين والكل يترقب نتائج الاجتماعات، ليس فقط التي تعقد في الصالة الرئيسة في القمة، بل أيضا اللقاءات الجانبية والثنائية بين الزعماء.

وإذا كانت القمة في أساسها اقتصادية فإن السياسة تفرض وجودها وهي عامل مؤثر إيجاباً أو سلباً على معدلات النمو الاقتصادي. وكان العالم مصدوماً من حادث باريس، فالإرهاب آفة عالمية لا تعرف حدوداً ولا ديناً ولا ثقافة.

وكانت السعودية قد حذرت من خطورة الإرهاب وتوسعه، ولذلك كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المؤتمر حاسمة، وقال: لقد عانينا في المملكة من الإرهاب، وحرصنا ومازلنا على محاربته بكل صرامة وحزم، والتصدي لمنطلقاته الفكرية خاصة تلك التي تتخذ من تعاليم الإسلام مبرراً لها، والإسلام منها بريء.

ومن الواضح أن السعودية التي عانت من الإرهاب وكانت مستهدفة منه قد حذرت وأطلقت رسائل تنبيهه من خطورة هذا الوباء السرطاني. وكانت السعودية قد اقترحت إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة وتبرعت له بمئة وعشرة ملايين دولار، بحيث يكون هذا المركز مرجعاً دولياً لتبادل المعلومات وأبحاث الإرهاب.

الإرهاب الذي أصبح الموضوع الأول في اجتماعات قادة العالم، يفرض سؤالاً حول قدرة العالم على مواجهة هذا الخطر، فالمعروف أن المنظمات المتطرفة والإرهابية تنتشر وتنمو في الدول الفاشلة، ولذلك نجد أن سوريا والعراق تعتبران مكانين جاذبين للمنظمات الإرهابية وللأفراد، الذين تستقطبهم من كل دول العالم.

وإذا كان العالم جاداً في محاربة الإرهاب فيجب النظر إلى حلول حاسمة للدول التي ينتشر فيها الإرهاب، فاستمرار الوضع السوري ووجود نظام مازال مستمراً في الحكم رغم قتله ربع مليون مواطن هو وصمة عار في جبين الإنسانية.

وما يعانيه العالم الآن هو نتيجة التقاعس واللامبالاة للوضع في سوريا واعتبار هذا الشأن بعيداً وسيكون محصوراً في داخل الدولة، ليكتشف العالم فجأة أن تلك الخلايا وصلت لمدنه، وأن اللاجئين الهاربين من هذا الوضع الدموي يرتمون على شواطئه بعدما يتجاوزون رحلة الموت.

محاربة الإرهاب مسؤولية دولية. ومنطقة الشرق الأوسط تعاني من مشكلات مزمنة سواء اقتصادية أو سياسية. وهناك دول تثير البلابل والمشكلات الداخلية من خلال تأجيجها الاستقطاب الطائفي أو دعمها ميلشيات تحارب عنها بالوكالة، فمن يرى سياسات إيران يجدها هي القاسم المشترك في مشكلات المنطقة.

ولا بد أن يكون للمجتمع الدولي وقفة في مواجهة هذه السياسات التي كانت ومازالت خلف كثير من الصراعات والحروب التي هي الأرضية الخصبة للخلايا والتنظيمات الإرهابية. مشكلة إيران لا تقف فقد عند السلاح النووي بل أيضاً هي مشكلة سياسات توسعية وأيدلوجيات متشددة تفرضها من خلال ميليشاتها في الدول الأخرى.

هناك مسؤوليات أمام دول العالم عليها مواجهتا وعدم تجاهلها، فالعالم تغير شكله ومراكز الثقل فيه، فبعدما كان العالم يدار من قبل القمم الأميركية- السوفييتية ثم مجموعة الثمانية، انتهت هذه الوضعيات وأصبح هناك واقع جديد.

وكانت معدلات النمو المتباينة والأزمات الاقتصادية دافعاً لإعطاء دول مهمة مساحة أكبر في إدارة شؤون العالم اقتصادياً. وهكذا كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم العربي، ضمن مجموعة أهم عشرين دولة في العالم تمثل تسعين في المئة من الناتج العالمي الخام.

الملفات الاقتصادية كانت مهمة، فمن مهمات مجموعة العشرين مراقبة النمو الاقتصادي في العالم، وضمان استمرارية النمو المستدام وتطوير البني التحتية وإيجاد الوظائف. وإن كان العالم حقق نتائج اقتصادية أبعدته عن شبح الأزمة الاقتصادية إلا أن التعافي مازال هشاً.

وهناك عين على تراجع النمو في الصين، وانعكاس ذلك على اقتصادات الدول الأخرى. ويمكن القول إن الاقتصاد أصبح القضية الملحة للحكومات في العالم، فمن غير اقتصاد ناجح يصبح أداء الحكومات محل تشكيك، ويولد عدم استقرار داخلي.

والأمر الذي يعوق معدلات التنمية هو الإرهاب الذي يشغل الحكومات عن مهماتها الأساسية، ويستنزف مواردها، ويثير القلق في مجتمعها وتحجم رغبة المستثمرين في ضخ المزيد من الاستثمارات، الأمر الذي ينعكس على تباطؤ اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وهي بدورها تسهم في زعزعة الوضع الداخلي، أي أنها حلقات مرتبطة ببعض والنتائج ستنعكس على الجميع.

ومنطقة الشرق الأوسط مثال يجسد ذلك في مشكلاتها السياسية والاقتصادية. والملك سلمان وهو يمثل العرب في قمة العشرين كان واضحاً في كل قضايا المنطقة، وحددت كلمته مواقف ثابتة ورسائل سياسية.

 وبدأ كلمته بقضية الإرهاب وهو يدرك أن العالم يستمع له جيداً، فالتحذيرات التي أطلقتها السعودية والمعلومات الاستخباراتية التي بفضلها جنبت دولاً من خطورة عمليات إرهابية وشيكة، تجعل لكلمة الرياض أهمية خاصة. نعم لقد اختلطت السياسية مع الاقتصاد في أنطاليا، ولكن من قال، إنهما قد افترقا.