ينعقد في باريس في أواخر الشهر الجاري نوفمبر 2015، مؤتمر الأمم المتحدة لمواجهة التغيير المناخي، وذلك بعد أكثر من عشرين عاماً على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول هذا الموضوع في 1992، وأكثر من عشرة أعوام على بروتوكول كيوتو 1997، وذلك لوضع اتفاق قانوني ملزم لدول العالم لمواجهة مخاطر التغيير المناخي.
يمكن أن نعدد عشرات القضايا التي ترتبط بمستقبل البشرية مثل قضايا محاربة الفقر، والحريات والعدالة، ولكن يظل الخطر الأكبر على الحياة البشرية (والحياة بشكل عام) إذا لم ننجح في ضبط التدهور البيئي والسيطرة على التزايد السكاني، وكلا الأمرين يمكن أن يعرض وجود البشرية للخطر، الأمر الذي يجعل هاتين القضيتين قضايا عالمية تحتاج إلى موقف عالمي موحد بوجود سلطة عالمية قادرة على فرض الضوابط والقيود على هذين الأمرين (البيئة والسكان)، وبالتالي إلى نوع من السلطة العالمية المقننة.
وهكذا أتناول في هذا المقال ثلاث قضايا مترابطة، هي على التوالي، الانفجار السكاني، والتغيير المناخي (البيئة)، وأخيراً العولمة، أما الأمران الأول والثاني فهما من قبيل المشكلات والأمراض التي تتطلب علاجا ومواجهة، في حين أن الأمر الأخير فإنه يمثل نوعاً من العلاج والمواجهة العالمية لهذه المشكلات.
الانفجار السكاني ومسؤولية الدول النامية: يختلف العلماء في تحديد تاريخ ظهور الإنسان العاقل المعاصر homo.sapiens sapiens، ولكن الأغلبية منهم تتفق على أنه خرج من أفريقيا ـ موطنه الأصلي إلى آسيا وأوروبا قبل نحو 80 ألف سنة، ومن هنا انتشر في مختلف بقاع المعمورة، وتزايدت أعداد البشر بشكل مستمر، وقد بلغ سكان العالم رقم المليار لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر، وبعدها بأقل من قرن وربع القرن جاوز عدد السكان سبعة مليارات نسمة، وهكذا احتاجت البشرية إلى ما يزيد على مئتي ألف سنة لبلوغ المليار الأول، وفى أقل من 130 سنة ارتفع الرقم سبعة أضعاف ولنا، في مصر تجربة واضحة إذ بلغ عدد السكان في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي 18 مليون نسمة، وكان العدد عند قيام ثورة 1952 أقل من 22 مليون نسمة لتصل إلى 42 مليوناً عند تولي حسنى مبارك الحكم، لتقفز من جديد إلى 86 مليون نسمة عند نهاية حكمه، وقد جاوزنا الآن التسعين مليوناً.
وفى خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تزايد عدد سكان العالم، وكان المصدر الرئيس للزيادة هو في دول العالم الثالث، أما الدول الصناعية المتقدمة فقد عرفت زيادات بسيطة، وبعضها بدأ في التراجع في عدد السكان، مع زيادة نسبة كبار السن، وتراجع نسبة الشباب (خاصة في اليابان وبعض دول أوروبا)، وقد اتخذت كل من الصين والهند سياسات قاسية لضبط النمو السكاني بها، وظلت معظم الزيادة السكانية ترجع إلى دول العالم الثالث، وترجع الزيادة في السكان في معظم دول العالم الثالث ليس نتيجة الزيادة في معدلات المواليد، التي ظلت على معدلاتها السابقة بشكل عام.
وإنما بسبب الانخفاض الكبير في معدلات الوفيات نتيجة للتقدم الصحي والطبي، فالفارق بين الدول الصناعية والدول النامية، هو أن الدول الصناعية عدلت من معدلات المواليد مع التقدم الطبي والصحي ليتناسب مع التناقص في معدلات الوفيات، أما دول العالم الثالث، فإنها وإن استفادت من مزايا التقدم في مجال الطب، وتخفيض معدلات الوفيات، فإنها استمرت في معدلات المواليد السابقة نفسها على الثورة الصناعية والعلمية، وهكذا، فإن الزيادة السكانية خلال الجزء الأكبر من القرن الماضي، ترجع إلى الزيادات السكانية في الدول النامية، التي أفادت من نتائج التقدم الطبي والصحي في تخفيض معدلات الوفيات، مع الاستمرار في معدلات الولادة المرتفعة المورثة من العصور الماضية في ظل معدلات مرتفعة أيضاً للوفيات، وهكذا عدلت الدول الصناعية من تقاليد المواليد مع انخفاض معدلات الوفيات مع التقدم الطبي في حين استمرت الدول النامية في معدلات المواليد القديمة رغم الإفادة من مزايا التقدم الطبي في انخفاض معدلات الوفيات، وبذلك فإن مسؤولية مواجهة الانفجار السكاني تقع، بالضرورة، على عاتق الدول النامية، ودون أن تعدل هذه الدول من معدلات المواليد بها، فإنه لا أمل في ضبط الانفجار السكاني العالمي.