كثيراً ما نقرأ، أو يتردد على مسامعنا مصطلح «القوة الناعمة».. ولاحظت أن عدداً لا بأس به ممن يرددون هذا المصطلح يخلطون بينه وبين «القوة الصلبة».
فيعتبرون على سبيل المثال الوسائل الاقتصادية المستخدمة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، كما مر معنا في المقالة السابقة، يعتبرونها هي المقصودة بـ«القوة الناعمة»! إن الوسائل الاقتصادية تماماً كما الوسائل العسكرية، تقعان في لُب «القوة الصلبة»، إذ إنه لا يمكن في أي حال من الأحوال اعتبار أي وسيلة من الوسائل المستخدمة في سياسة «العصا والجزرة» كـ«قوة ناعمة»!..
بل على العكس تماماً؛ فالقوة الناعمة ترتكز على الجاذبية والقبول والإقناع، وليس الجبر والقسر.. صحيح أن الوسائل الاقتصادية هي أيضاً محور العلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف، وأن «ما تفرقه السياسة تجمعه الخدمات» وعلى رأسها المنافع الاقتصادية.
. إلا أنه لا يمكن اعتبارها «قوة ناعمة» بأي حال من الأحوال، فالقوة الناعمة تعني كسب العقول والقلوب، وفي العلاقات الدولية هي بوضوح: الدبلوماسية الشعبية، أن تجعل الآخرين يريدون، وعن قناعة تامة، لا جبراً ولا اضطراراً، يريدون ما تريده أنت.
ويصب في صالح تحقيق أهداف السياسة الخارجية لبلدك، من خلال الانجذاب إلى القيم المشتركة والعدالة. وترتكز على ثلاثة موارد أساسية: ثقافة الدولة، والقيم السياسية لها، وسياستها الخارجية الصادقة وغير المنافقة. وجميعها موارد غنية لدينا، لكن نحتاج إلى العمل المدروس والمخطط والسليم لتوظيفها بشكل جيد..
وللقيام بالعمل الصحيح لتوظيف قوانا الناعمة من خلال العمل الدبلوماسي الشعبي (الدبلوماسية العامة)، يلزمنا – وكما ذكر معالي الدكتور أنور قرقاش-استراتيجية واضحة نسير من خلالها.
وهو موضوعي هنا. إن عملية التخطيط الاستراتيجي للعمل الدبلوماسي الشعبي ليست عملية يسيرة، فهي تحتاج إلى وقت، وإلى فريق عمل من الباحثين المختصين، وتنقسم إلى أربعة مراحل، البحوث والدراسات التأسيسية، وضع الاستراتيجية، التكتيكات، فالبحوث التقييمية والتغذية المرتجعة. فالمرحلة الأولى هي البحوث التأسيسية (Formative Research):
وتركز هذه المرحلة على الأعمال التمهيدية للتخطيط، ففيها يتم جمع البيانات والمعلومات، وتحليل الحالة القائمة، وذلك عبر ثلاث خطوات فرعية: -
الخطوة الأولى: تحليل الوضعية الحالية (Analyzing the Situation)
وهي الخطوة الحاسمة والحرجة للبدء. وينبغي أن يشترك فيها المخططون، والمشرفون، والتنفيذيون، وصانعوا القرار على حد سواء، للاتفاق على طبيعة وماهية تلك الفرص والتهديدات في الوضع الجاري، والمزمع التعامل معها وفق الخطة.
الخطوة الثانية: التحليل، وتتطلب هذه الخطوة العناية اللازمة في دراسة ثلاثة أبعاد رئيسة:
1. البيئة الداخلية للدولة وللمنظمة الدولية (الرسالة، الأداء، والموارد المادية والبشرية).
2. السمعة الحالية والصورة الذهنية.
3. البيئة الخارجية (الجهات المنافسة والأعداء، والجهات الداعمة والمؤيدة لسياسات الدولة، والحلفاء).
الخطوة الثالثة: تحليل الجماهير المستهدفة ( Analyzing The Publics)
من حيث المتغيرات اللغوية والثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة ومستوى التنمية، والنظم الإعلامية القائمة لديها، وطبيعة علاقاتنا معهم ومع دولهم، فلكل منها خصائصه، ووسائله، ورسائله.
ونستكمل الحديث عن المراحل الثلاث الأُخر، الأسبوع المقبل.. فإلى اللقاء.