لقد كنت مخطئاً، ولا مانع لدي من الاعتراف بذلك. ارتكبتُ خطأ بدعم المرشح الجمهوري الأوفر حظاً، دونالد ترامب، للرئاسة الأميركية. فقد أُعجِبت في البداية بصراحته ورصيده في تحويل الهزائم إلى انتصارات. كنت أعتقد - ولاأزال - أن الولايات المتحدة تفتقر إلى قيادة قوية. لكن عندما تقترن القوة مع الجهل والخداع، تولّد مزيجاً ساماً يهدّد الولايات المتحدة وعالمنا.
على ضوء التصاريح والسلوكيات التي صدرت عن ترامب أخيراً، والتي تنم عن تعصّب شديد، يفاجئني أنه لايزال يحتفظ بالصدارة في استطلاعات الرأي في مواجهة خصمه الأساسي الذي ينفث أيضاً السموم، بن كارسون، والذي قال، عن غير وجه حق، إن انتخاب رئيس مسلم مخالف للدستور، وشبّه اللاجئين السوريين بـ«الكلاب المسعورة».
كلما كان ترامب يدلي بتصاريح يهاجم فيها الأقليات أو يسخر منها، كان المعلّقون السياسيون يتوقّعون سقوطه السياسي. أما اليوم فقد تبدّل الوضع. كلما أصبحت تعليقاته أشدّ إيذاء وفظاعة، تعززت شعبيته لدى بعض شرائح الجمهور الأميركي، وهذا لا يبشّر بالخير بالنسبة إلى العلاقات بين الأجناس.
أتفهّم تماماً أن الأميركيين ضاقوا ذرعاً بعجز الرئيس أوباما عن القيادة، لكن في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فسوف ينتقلون من السيئ إلى الأسوأ - مع ما يترتب عن ذك من إمكانية تدهور العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي.
لقد وصل به الأمر إلى حد نعت المهاجرين المكسيكيين بـ«المجرمين وتجّار المخدرات والمغتصبين»، والقول بأنه «لا روح» للشباب الأميركيين من أصل إفريقي، وإطلاق الأحكام النمطية عن اليهود قائلاً إنه يريدهم أن يَعدّوا له أمواله.
وقد تحوّل أخيراً للتهجّم على المسلمين، من دون أن يكتفي فقط بالإدلاء بآرائه الشخصية بل تعهّد أيضاً بإغلاق المساجد واللجوء من جديد إلى التعذيب مثل الإيهام بالغرق، قائلاً: «أريد مراقبة هؤلاء الأشخاص». أسوأ من ذلك، يتفوّه بالأكاذيب الواضحة والتي لا أساس لها على الإطلاق.
فقد قال، يوم السبت الماضي، في تجمّع انتخابي إن «آلاف» الأميركيين من أصل عربي في نيوجرسي كانوا يهلّلون فرحاً لحظة انهيار برجَي التجارة العالميَّين في 11 سبتمبر 2001. ومما جاء على لسانه: «كان هناك أشخاص يهلّلون فرحاً في الجهة الأخرى من نيو جرسي، حيث تسكن أعداد كبيرة من العرب.
كانوا يهلّلون فرحاً لحظة انهيار مركز التجارة العالمي»، مضيفاً: «أعرف أنكم قد تعتبرون أنه من غير الصائب سياسياً التكلم عن الأمر، لكن كان هناك أشخاص يهللون فرحاً عند سقوط ذلك المبنى». وقد سارع بن كارسون إلى الإعلان بأنه شاهد شريط الفيديو نفسه، لكنه عاد فتراجع عن كلامه عندما صرّح مسؤولون أميركيون أن شريط الفيديو عارٍ عن الصحة.
ليس هناك دليل واحد يثبت أن العرب احتفلوا في نيوجرسي ابتهاجاً بهجمات 11 سبتمبر. قامت مدوّنة «متقصّي الحقائق» التابعة لصحيفة «واشنطن بوست» بالتمعن جيداً في زعم ترامب وأعطته «أربعة بينوكيو» أي أنها كذبة كبيرة. ووصفه موقع «بوليتيفاكت» بـ«الأكذوبة الفاضحة».
لكن ثمة أمر اختارت وسائل الإعلام الأميركية التعتيم عليه. فالأشخاص الوحيدون ذوو المظهر الشرق أوسطي الذين تبادلوا تحية الغبطة والنصر في ذلك اليوم المريع كانوا خمسة إسرائيليين يعملون في شركة لنقل الأثاث، كما أوردت كل من «أيه بي سي نيوز» و«فوكس نيوز» في ذلك الوقت.
وقد أثار سلوكهم الاحتفالي انتباه امرأةٍ عمدت إلى الاتصال بالشرطة. فتم اعتقالهم واحتجازهم لمدة شهرَين قبل ترحيلهم.
وقد نقلت قناة «أيه بي سي» عن محاميهم ستيفن غوردون إقراره بأن تصرفات موكّليه ربما أثارت الشكوك: «مجموعة من الأشخاص الذين راحوا يلتقطون الصور على سطح أحد المباني.. ويتكلّمون لغة أجنبية. يحملون جوازَي سفر. أحدهم بحوزته رزمة نقود، ومعهم أدوات حادة لفتح العلب الكرتونية. هذا مخيف». لو كانوا عرباً، من المؤكّد أنه لم يكن ليُسمَح لهم بالعودة إلى ديارهم.
لا يتمتع ترامب بذرة من التعاطف حيال اللاجئين السوريين - ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ واليتامى. يقول إنهم «حصان طروادة»، وإنه في حال فاز في الانتخابات، سيعيدهم جميعهم إلى بلادهم أو يفرض عليهم حمل بطاقات هوية خاصة.
إذا نُظِّمت مسابقة بين الجمهوريين لاختيار صاحب النزعة الانتقامية الأكبر، فالفائز سيكون مرشحاً آخر هو كريس كريستي الذي يقول إنه لا يجدر بالولايات المتحدة أن تقبل حتى استقبال اليتامى دون سن الخامسة! لا يجب أن يكون لرجلٍ يخاف الأطفال الصغار، مكانٌ بين المرشحين للرئاسة!
ما الذي يحدث هنا؟ كريس كريستي هو حفيد مهاجرَين من صقلية وألمانيا. ووالدة دونالد ترامب كانت مهاجرة من اسكتلندا، وكان جدّه لوالده ألمانياً. وماركو روبيو الذي دعا إلى إغلاق جميع الأماكن حيث يتجمّع المسلمون، بما في ذلك المقاهي والمطاعم، هو من أم كوبية كانت تعمل خادمة في الفنادق وأبٍ كان يعمل نادلاً في الحانات.
وقد اقترح تيد كروز، الذي هرب والده من كوبا في ستينيات القرن الماضي، مشروع قانون ينص على منع طالبي اللجوء السوريين من دخول الولايات المتحدة، في حين أنه كان قد أعلن سابقاً، في كلام معيب، أنه يقبل فقط بالسوريين المسيحيين.
الموقف الذي يعبر عنه هؤلاء يسخر ويتنافى مع ما يمثله تمثال الحرية الذي ينتصب كالحارس فوق ميناء نيويورك، والذي حُفِرت عليه الجملة التالية: «أعطني جماهيرك المتعبة والفقيرة والمحتشدة في توقها لتنسّم الحرية..».
يجدر بنا العودة إلى الوراء لنتذكر المرة الأخيرة التي رفضت فيها الولايات المتحدة استقبال اللاجئين الهاربين من الحرب والإبادة، في حادثةٍ لاتزال تشكّل وصمة عميقة على جبين القيم التي لطالما تباهت بها أميركا.
فقد رفضت كوبا، عام 1939، استقبال السفينة «سانت لويس» التي كانت تقل على متنها لاجئين يهوداً هاربين من المحرقة أملاً في حياة جديدة، ثم منعها خفر السواحل الأميركي من أن ترسو في الميناء مع اقترابها من شواطئ فلوريدا.
لم يكن أمام القبطان من خيار سوى العودة إلى أوروبا، حيث لقي عدد كبير من ركّاب السفينة حتفهم في معسكرات الاعتقال النازية. كم من السوريين الذين تُصَدّ الأبواب في وجههم الآن، سيلاقون المصير نفسه؟
باتت كلمة «محافظ» مرادفة الآن لصفة «قاسي القلب»، في حين أن المحافظية نشأت في الأصل كحركة تتمسّك بالمبادئ الأمميّة، حيث لا مكان للعنصرية والتمييز والتنميط بحق مجتمعات بكاملها. محاولة العثور على شخص جيد في صفوف الجمهوريين مهمة شاقّة. يتنافس المرشحون في ما بينهم على استقطاب القدر الأكبر من الاهتمام الإعلامي من خلال التصريحات المثيرة للصدمة.
لقد تخطّى ترامب كل الخطوط الحمراء عندما أبدى دعمه لمجموعة من أنصاره أقدمت على ركل أميركي من أصل إفريقي، راح يعترض على كلام ترامب خلال أحد التجمعات الانتخابية، وخنقه ولكمه واصفين الضحية ورفاقه بـ«القردة». فقد صاح ترامب مراراً وتكراراً «أخرجوه من هنا»، وعلّق بالقول: «ربما كان يجب أن يبرّحوه ضرباً».
تحذّر هيلاري كلينتون من أن «إقفال الأبواب في وجه اللاجئين ليس من شيمنا»، وتؤكّد: «لسنا في حالة حرب مع الإسلام، إنما مع المتطرفين». إنها حازمة بالطريقة الصحيحة.
هي صاحبة خبرة، والأهم من ذلك، أنها من القلائل الذين يتمتعون بحد أدنى من رجاحة العقل في السباق الرئاسي. سوف أدعم وصولها إلى الرئاسة في الثامن من نوفمبر 2016، أما دونالد ترامب فآمل أن يكون مصيره مزبلة التاريخ، لأنه المكان المناسب للمتبجّحين والمتعصّبين أمثاله.