عبّر مورتن ستورم، الدنماركي الذي شارك في تأليف "العميل ستورم: حياتي داخل تنظيم القاعدة والسي آي يه"، عن آرائه المناهضة للإسلام عبر قناة "فوكس نيوز" مؤخراً، مستغلاً هذا المنبر الإعلامي لإطلاق آراء مسيئة. فقد تشرّب هذا الإرهابي السابق في تنظيم "القاعدة" الذي تحوّل إلى عميل مزدوج، العقيدة المتشدّدة في السجن، ثم جنّدته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) وجهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6) للعمل جاسوساً لديهما. في نهاية المطاف، خان أسياده عبر الخروج إلى العلن وانكشاف أمره، والآن يطعن في الدين الذي اعتنقه في مرحلة لاحقة من حياته.
ستورم خبير في الإرهاب وليس في الإسلام. يستغلّ تعاظم المخاوف رداً على هجمات باريس، فيؤجّج مشاعر رهاب الإسلام أو ما يُعرَف بالإسلاموفوبيا، عبر الاستشهاد باقتباسات مختارة من القرآن الكريم خارج سياقها الصحيح.
المسلمون الحقيقيون لا يفكّرون حتى في التشهير بالأديان الأخرى. نحترم الأديان الأخرى لأهل الكتاب (المسيحيين واليهود) ولا ننظر الى المسيحية على أنها دينٌ مبنيٌ على العنف بسبب السلوك المضلَّل لمعتنقيها، مثل الصليبيين، ومحاكم التفتيش الإسبانية، والنازيين.
بغية دحض الدعاية التي يروّج لها مورتن، استعنت بالشيخ فارس المصطفى، إمام مسجد ومركز الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في دبي للرد بالأدلة على هذه الترهات.
إن الإسلام دين الرحمة والسلام والأمن والأمان. وتحيّة المسلمين هي السلام، وتُختتم الصلاةُ عند المسلمين بالسلام. والجنّة التي يعمل لها المؤمنون تُسمّى في القرآن دارَ السلام وتحيّة الله لأهل الجنّة السلام. قال النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: "الراحمون يرحمهم الرحمن..."
وقد وصف ستورم الإسلام بأنه "عنيف وغير متسامح وخطير جداً على العالم بأسره..."
هناك العديد من الإشارات في القرآن الكريم التي تحثّ على السلام والرحمة. حيث تبدأ 113 سورة بعبارة "بسمِ الله الرحمن الرحيم".
إليكم الأمثلة التالية؛ سورة النساء، الآية 94 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا". في سورة الأنبياء، الآية 107، يقول الله سبحانه وتعالى في وصف النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".
وقد زعم ستورم أن "الله يشجّع المسلمين على القتال حتى لا يبقى أي دين على وجه الأرض. يعني ذلك أن كل شيء يزول..." هذا مجرد تلفيق.
الرد على هذا الزعم هو التالي: "هناك آياتٌ تتحدّث عن الحرب في حالة الدفاع عن النفس. قال الله سبحانه وتعالى: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ" (سورة البقرة الآية رقم 190). عبارة "ولا تعتدوا" تعني في هذا السياق، "لا تبدأوا بالقتال".
لا إكراه في الدين. يقول الله سبحانه وتعالى للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم في سورة الشورى: "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ". يحترم الإسلام أيضاً حرية المعتقد لدى الآخرين: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (سورة الكافرون، الآية 6).
أتحدّى ستورم بأن يأتي بآية واحدة في القرآن الكريم وردت فيها كلمة السيف أو تأمر بحمل السيف لإكراه أي إنسان للدخول في الإسلام.
لم ينتشر الإسلام في ماليزيا وأندونيسيا اللتين تضمان أكثر من ربع مليار مسلم، بحد السيف. هناك ما يزيد عن مليونَي مسلم في الصين وحدها. هؤلاء لم يتم حملهم بالإكراه على اعتناق الإسلام. بل إن التتار الذين احتلوا أراضي إسلامية في وسط آسيا، دخلوا الإسلام طوعاً، ويعيدون الآن اكتشاف جذورهم الإسلامية.
تعكس حياة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم احترامه لأصحاب الديانات الاخرى. ففرحنا بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام لا يقل عن فرحنا بميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. في الواقع، توجد في القرآن الكريم سورة تسمى سورة آل عمران وهو اسم عائلة السيد المسيح عليه السلام، ولا توجد سورة في القرآن تسمى سورة آل محمد. وتوجد في القرآن الكريم كذلك سورة تسمى سورة مريم، ولا توجد سورة في القرآن تسمى سورة آمنة.
عندما يزعم مورتن إن الإسلام يوافق على الأعمال الإرهابية، يبرهن مرة أخرى عن جهلٍ مطبق لديه. صحيح أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: "نصرتُ بالرعب [في قلوب أعدائي]"، لكن إبن هبيرة يشرح أن عبارة "نصرتُ بالرعب" تعني الخوف الذي وضعه الله تعالى في قلوب أعدائه؛ فإنه نصره به فكفاه كثيراً من القتال.
تأكيد ستورم أن النبي أجاز قتل النساء والأطفال، مشين للغاية. فالإسلام ينهى عن قتل النساء والقاصرين والمضطربين عقلياً وطريحي الفراش وسواهم من غير المقاتلين. تُبيّن نصوص عدّة أن قتل النساء والأطفال محظور بكلام صريح لا لبس فيه.
من الأمثلة على ذلك الحديث رقم 223 من كتاب الجهاد 56 في صحيح البخاري 3014، يرويه عبدلله: "مرّ النبي على امرأة مقتولة فقال صلى الله عليه وسلم (ما كانت هذه لتقاتل) ونهى بشكل صريح عن قتل النساء والأطفال".
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً قال: "انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين"، رقم الحديث 2613 في سنن أبي داوود. خلال الحرب، كان الخلفاء الراشدون يتقيّدون بهذه التعليمات.
تحدّث ستورم أيضاً عن تفسير الإرهابيين للآية 39 من سورة الأنفال: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ". لا علاقة للآية بأهل الكتاب ومعناها: "حتى لا يقع ابتلاء للمسلمين وقت كانوا ضعفاء بمكة والابتلاء بتعذيب وتنكيلٍ". من شأن التكفيريين أن يتفقوا مع ستورم في الاستنتاجات التي توصّل إليها لأنها تتناسب مع مآربهم الإجرامية.
كلما دقّقنا أكثر في مزاعم ستورم المبنية على التعصّب الأعمى، أدركنا أنها نتاج عقول مريضة. لا يمكن لمن يقرأ في كتب الإرهابيين أن يدرك جوهر الإسلام، كما أن هناك مؤشرات قوية بأن الإرهابيين لا يتحرّكون في شكل عام بدافع المعتقدات الدينية إنما سعياً وراء أهداف مرتبطة بالسياسة أو الانتفاع انطلاقاً من عملهم كمرتزقة.
أناشد المسلمين كافة التصدّي للمغالطات التي ينشرها كارهو الإسلام. المتشددون ومن يعانون من رهاب الإسلام وجهان للعملة نفسها. عليهم أن يدركوا أنه "لا شرف لبندقية"، وأن الإنسان أخو الإنسان ولا بدَّ من أن يعلو صوت الحب فوق صوت الحرب.
أخيراً، أقول لستورم، أتمنّى أن يخيب ظنك، ويكذب حدسك بأن تقع هجمات إرهابية جديدة على أميركا في موسم الأعياد. بل أدعو الله الرحمن الرحيم أن يحفظ العالم كله من شر المجرمين والإرهابيين، ويسدود السلام والأمن والأمان البشرية كلها.