نشر تنظيم داعش الإرهابي يوم الجمعة الماضي، إصدار فيديو دعائي إجرامي سادي بشع جديد، أطلق عليه «ثأر الكماة»، يؤكد من خلاله بالصوت والصورة، ما سبق أن أعلنه عن تبنيه التفجيرات الإرهابية التي استهدفت قوات «التحالف العربي» لدعم الشرعية في اليمن، وقوات «الجيش اليمني الشرعي»، وقوات «المقاومة الشعبية» الموالية للشرعية، والمقر المؤقت السابق للحكومة اليمنية بعدن، في خطوة عملية تكشف وجود امتداد لهذا التنظيم الإرهابي في اليمن لنجدة المصالح الإيرانية هناك، وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، تخدم عصابات المتمردين الحوثيين عملاء طهران، وقوات المخلوع علي عبد الله صالح..

اللافت أن هذه التفجيرات الإرهابية الانتحارية الغادرة الجبانة، والتي استشهد على إثرها عدد من أبنائنا الأبطال من القوات المسلحة الباسلة الإماراتية والسعودية واليمنية.. تمت قبل أكثر من شهرين، فيما لم ينشر هذا التنظيم الإرهابي الفيديو، إلا قبل بضعة أيام، وبعد أن استفتحه بعمليات قتل بشعة، قام بها مؤخراً بحق بضعة أفراد يمنيين عُزَّل، قال بأنهم «حوثيون»!، في خطوة وصفها محللون يمنيون بأنها جاءت كـ «تمويه»، كيلا يكشف هذا التنظيم الإرهابي عن ارتباطه المباشر بخدمة مصالح عملاء طهران في اليمن، تماماً كما فعل في وقت سابق في كل من العراق وسوريا ومصر. لا سيما أنه لم يتم رصد أي عملية حقيقية لهذا التنظيم الإرهابي في معاقل العصابات الحوثية التي يدعي محاربتها له!

تقارير إعلامية يمنية، كانت قد نقلت في وقت سابق عن مصدر حكومي يمني رفيع، قوله بأنه جرى رصد عدد 4 عمليات تواصل بين المخلوع علي عبد الله صالح وتنظيم داعش، واحدة منها على الأقل كانت مع زعيم التنظيم الإرهابي، المدعو «أبو بكر البغدادي»، والأخريات كانت مع قيادي لم تحدد هويته، موجود في سوريا، وكشف مضمون هذه الاتصالات، الغرض منها، والذي تركز على كيفية التنسيق للقيام بعمليات إرهابية وانتحارية ضد مصالح حيوية لدول الجوار الداعمة للشرعية في اليمن، وأبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، بما في ذلك استهداف شخصيات سياسية وأمنية في هذه الدول.

كما كشفت هذه التقارير، عن أن «صالح أبلغ البغدادي استعداده لإقناع فصائل تنظيم أنصار الشريعة الموالي للقاعدة في اليمن، من أجل مبايعة ما أسماه «الدولة الإسلامية»، كاشفاً عن تنسيق دائم مع فصائل رئيسة في تنظيم أنصار الشريعة.

ووفقاً لما ذكره المصدر اليمني، فقد «أبدى صالح، عبر مراسلة مع قيادي غامض في تنظيم داعش بسوريا، تذمره من أداء فصائل القاعدة، قائلاً إن نجاحها يقتصر في العمليات داخل اليمن، وأنها فشلت في تنفيذ ثلاث عمليات متتابعة في أماكن مختلفة داخل المملكة العربية السعودية خلال نصف عام، مبدياً استعداده التنسيق مع تنظيم داعش وتمويل العمليات، وأضاف: «أبدى هذا القيادي تفاعلاً ملحوظاً مع عرض صالح، إلا أنه شدد أكثر من مرة على ضرورة العمل من أجل إقناع فصائل أنصار الشريعة بمبايعة «الدولة الإسلامية»، معتبراً ذلك أولوية قصوى»..

وفي السياق ذاته، اقتنعت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، بما سبق وأكدته دول المنطقة، من ضرورة ملحة للعمل سريعاً، وبشكل فعال، للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي في معاقله في العراق وسوريا، من خلال تدخل عسكري بري، لا سيما مع عدم فاعلية الاعتماد فقط على الطلعات الجوية، والتي بحسب الخبراء العسكريين «لا يمكنها وحدها أن تحسم المعركة». إلا أن الولايات المتحدة فوجئت برفض حكومة العبادي لأي دعم عسكري من هذا النوع.. تماماً، كما فعل نظام بشار الأسد من قبل، والذي لا يزال يرفض أي تدخل عسكري جاد يعمل على القضاء على هذا التنظيم الإرهابي في سوريا..

رفض حكومة العبادي لأي قوات عسكرية برية جادة في القضاء على داعش، لم يُفاجئنا كمتابعين، لا سيما إذا ما رجعنا بذاكرتنا للوراء، وتحديداً إلى فترة أوج ثورة العشائر العراقية ضد حكومة المالكي، والتي لم تستطع إخمادها، إلا بعد أن سهلت دخول داعش لمناطق هذه العشائر، وتورط المالكي شخصياً بتسليم الموصل لهذا التنظيم الإرهابي، بل وتورطه أيضاً بتسليحه، بحسب ما ذكرته اللجنة المشكلة برلمانياً للتحقيق في سقوط مدينة الموصل بيد داعش.

الأمر ذاته، حين نعود أيضاً بذاكرتنا إلى بدايات الثورة السورية، والتي استمرت عاماً كاملاً بلا داعش، إلى أن استدعى نظام الأسد عناصر هذا التنظيم لدخول سوريا، ليبرر عمليات القتل والتهجير التي يرتكبها بحق الشعب السوري!، وغيرها من الشواهد والأدلة التي لا يسع حيز هذه المقالة لذكرها، وسنعرج عليها مفصلة في قادم الأيام.. لكن الأمر الذي ينبغي تأكيده هنا، هو أن هذه العلاقة التي تربط نظام بشار الأسد والاستخبارات الإيرانية بهذا التنظيم الإرهابي، ليست مستحدثة.. بل هي قديمة، قدم نشأة «القاعدة في بلاد الرافدين»، إبّان الغزو الأميركي للعراق، وهو ما كشفته وثائق وتقارير أمنية واستخباراتية أميركية وعربية ودولية، وهو ما يفسر عملية الاعتماد المتبادل بين هذا التنظيم وإيران وعملائها بالمنطقة.. لذا، فمن الغباء توقع أن أياً من عملاء إيران، سيسمح فعلياً بالقضاء على هذا التنظيم، الذي يشكل «حصان طروادة»، تستدعيه إيران في الوقت والمكان الذي تريد، ويحقق مصالحها.