كان مشهد فندق الريتز كارلتون في الرياض الأسبوع الماضي، مختلفاً‫.‬ نحو 300 شخصية تمثل رموز ثقافية وفكرية وإعلامية، إلى جانب رجال أعمال وسيدات مجتمع ووزراء في قاعة واحدة، يناقشون قضية تهم كل مواطن، وهي سعودية 2020.

المشهد ذاته، هو ظاهرة جديدة في العمل الحكومي السعودي‫.‬ وجود ورش عمل تناقش مع صناع القرار مباشرة، مشروع التحول الوطني، هو رسالة تعني الشفافية والوضوح، وتحميل المسؤوليات للأشخاص المعنيين.

وقد كان مشهد الوزراء كل واحد على طاولة مختلفة، يحاوره مجموعة من الحاضرين حول مؤشرات الأداء، ورؤية كل فرد لهذا المشروع، هو نقلة نوعية في طريقة إدارة العمل الحكومي‫.‬ كما أنه تم رصد هذه الخلاصات للعصف الفكري، وتقديمها لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية‫.‬

لقد كان يوماً طويلاً في تفاصيله، استمر أكثر من عشر ساعات، وكلها كانت تدور حول هذا المشروع‫.‬ وكان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية‫، مهندس هذا البرنامج، وطالب بمناقشة الوزراء في المؤشرات بصراحة ووضوح‫.‬

بل وكان حاسماً حين قال، إن كل وزير سيتم محاسبته على قدرته في ترجمة هذه المؤشرات، والمتابعة بشكل دائم، وأن هناك إدارة سيتم إنشاؤها، مهمتها مراقبة مؤشرات الأداء‫.‬

وهذه لغة جديدة في محاسبة المسؤولين ومراقبة أدائهم.‬ يشعر السعوديون أنه في ظل القيادة الحاسمة لخادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز، أصبح منصب الوزير عملاً خدمياً مرتبطاً بمؤشرات الأداء، وليس فقط كمنصب سياسي في عضوية مجلس الوزراء‫.‬

السعودية مقبلة على إصلاحات هيكلية كبيرة وجذرية‫، وهناك مستجدات اقتصادية على مستوى العالم، من خلال انخفاض أسعار النفط، ما يفرض واقعاً جديداً على الاقتصاد السعودي، الذي ما زال يعتمد في معظم ميزانيته على دخل النفط‫.‬ ولم ينجح حتى الآن في تخفيض هذه النسبة، رغم وجودها دائماً على أول أهداف الخطط الخمسية‫.‬

وهناك واقع جيوسياسي من خلال الحروب والنزاعات الموجودة في المنطقة، والتهديدات من قوى محيطة لديها مخططات توسعية‫، وهذا يتطلب مواجهة وتحديات تستنزف موارد اقتصادية مهمة‫.‬ وهذا يعني أن طريقة إدارة الميزانية والخطة الاقتصادية، تحتاج أن تستوعب المتغيرات الجديدة‫.‬

وليس سراً أن السعودية سجلت عجزاً كبيراً هذا العام، وكان الأمير محمد واضحاً في أن السعودية تتفادى الاستناد إلى السحب من الاحتياطيات، وهي تفضّل بدائل أخرى، من بينها السندات‫.‬

لكن الأهم، هو توفير مداخيل جديدة للدولة من خلال إدارة ذهنية جديدة، والخصخصة، وإعادة هيكلة دعم الكهرباء والمياه، بحيث يستفيد من الدعم ذوو الدخل المتوسط والمنخفض‫.‬ وهذه المقترحات وغيرها، سوف تقود الاقتصاد السعودي إلى نقلة نوعية، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي، وتوفر وظائف لستة ملايين سعودي بحلول عام 2030.

إجراء الإصلاحات ضرورة ملحة، لدفع الاقتصاد السعودي إلى مرحلة جديدة، كذلك التوجه إلى الناس مباشرة، والحديث بوضوح وصراحة عن الصعوبات والمخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد السعودي، في حالة تأجيل إجراء الإصلاحات أو تفادي قرارات صعبة، أمر مهم‫، فالناس لديها استعداد لتقبل قرارات صعبة، متى ما أدركت أن هذا يصب في مصلحتها، وفي مصلحة الأجيال المقبلة‫.‬

مشروع التحول الوطني لا يقف عند حدود الاقتصاد‫، بل هو مشروع إصلاح كامل، اجتماعياً وتنموياً وتعليمياً‫.‬ أي أن المشروع يرسم للدولة السعودية شكلها في عام 2020، وهذا يعني أيضاً، تغيير مفهوم دور الدولة‫ ومرحلة انتقالها من الدولة الرعوية إلى مجتمع العدالة المجتمعية والمواطنة الكاملة‫، التي تعني حقوقاً وواضحة، وفي نفس الوقت مسؤوليات‫.

‬ هذا جزء من المرحلة الجديدة التي تستعد لها السعودية، ويتنظر أن يشارك الجميع في نشر هذه الرؤية الجديدة، سواء رجال دين أو مؤسسات إعلامية ومفكرون ورجال أعمال‫.‬

كنت في جلسة التحول الوطني، على طاولة شاركت فيها وزير العدل، الدكتور وليد الصمعاني، الذي وضع مؤشرات وزارته، وشارك في نقاش موسع في تفاصيل الخطة.

ولفت انتباهي أن إحدى السيدات اللاتي كن معنا على طاولة الوزير، اشتكت من معاملة أحد القضاة لها، فكان رد الوزير أن الجميع يلتزم بالنظام، بمن فيهم القضاة، وأن هناك لجان تفتيش تتخذ قرارات تأديبية، بل وفصل بحق من يتجاوز ذلك، وأن هناك مدونة كاملة للأحكام، وهي في المراحل الأخيرة‫.‬ هذا الحوار الذي كان صعباً، أصبح متاحاً، وبحضور شرائح مختلفة من المجتمع، رجالاً ونساء‫.‬

الرياض تسابق الزمن، وهي تلعب دوراً محورياً في المنطقة. خارجياً، قادت مشروعين استراتيجيين للأمة العربية والإسلامية. الأول، تحالف عاصفة الحزم، الذي أعطى فرصة للعرب أن يقولوا كلمتهم، ويفرضوا هيبتهم، ويعيدوا الحق لأصحابه، بعدما سقطت دول عربية في فلك قوى إقليمية.

والثاني، مشروع التحالف العسكري الإسلامي لمواجهة الإرهاب، الذي فاجأ العالم، وبيّن له أن المسلمين أنفسهم ضحايا هذا الإرهاب، وأنهم سيقاتلونه، لأنهم ضدهم، وهو لا يمثلهم‫.‬ وفي الداخل، تقود الرياض مشروعاً كبيراً للتحول الوطني، يهدف إلى نقل السعودية إلى مرحلة جديدة في تاريخها الحضاري‫.‬

السعودية خطت بقوة نحو السعودية الجديدة، وهناك مشوار طويل مليء بالتحديات والقرارات، لكن العزيمة هي التي تصنع الإنجازات‫.‬ ورسالة الرياض الواضحة داخلياً وخارجياً، أن السعودية مقبلة على مشروع ضخم وكبير، وسوف تراهن عليه‫.‬ لأنه مشروع مصير‫، وخيارها الوحيد، هو أن تنجح‫.‬