يبدو أن الذي خططت له إيران خرج عن النص ولم تعد الأمور كما كانت تتخيل، وقد نجحت الدبلوماسية السعودية والخليجية في مواجهة إيران على الأقل عربياً حتى الآن، بعد موقف العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة ووقوفهم مع السعودية ضد التدخلات الإيرانية، ودان مجلس الجامعة العربية حكومة إيران بتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية للدول العربية..

معتبراً أن هذا النهج يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وهنا بيت القصيد فالتدخل الإيراني اصبح قضية ملحة وتفرض نفسها في مشكلات المنطقة. حيث إن إيران هي القاسم المشترك في مشاكل المنطقة.

ومن يقرأ مقالة جواد ظريف وزير خارجية إيران في نيويورك تايمز يستعجب من قلب الحقائق فهو يتحدث عن دور سعودي لتأجيج الطائفية وأنها تفتعل المشكلات في الدول العربية وأن إيران تبحث عن الاستقرار والسلام للمنطقة، وهذا كمن يقتل وهو مبتسماً، فحديثه يوحي بتوجه سلمي وداعم لعلاقات إيجابية في المنطقة، لكن هي الأفعال التي تتحدث اكثر من الكلمات.

والقضية ليست مع السعودية فهو الآن موقف عربي ولذلك حث المجلس حكومة إيران على البعد عن السياسات التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات في دول الخليج العربي، ودعاها إلى وقف دعم الميلشيات والأحزاب المسلّحة داخل الدول العربية..

واعتبر ذلك تهديداً للأمن القومي العربي، أي بلغة واضحة أن إيران هي التي تقف خلف هذه النزاعات الطائفية ودعمها للميلشيات المسلحة وهذا موقف الدول العربية بالإجماع والتي تحفظت فيه فقط لبنان بسبب ذكر كلمة حزب الله وباعتباره موجودا في الحكومة.

كيف يمكن أن نصدق كلمات جواد ظريف الناعمة ودولته تحتل ثلاث جزر إماراتية وتتجاهل كل الدعوات العربية والدولية لإنهاء احتلالها، بل وترفض حتى الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لحسم هذا الموضوع لأنها تعرف أنها ليست صاحبة حق وبالتالي تتحاشى المواجهة القانونية.

العرب أمامهم مواجهة الواقع وربما الأحداث التي وقعت وإقدام إيران على تسهيل الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد تمنح الدول العربية فرصة لأخذ زمام المبادرة وفرض كلمتهم، وإيقاف العبث الإيراني بشؤونهم الداخلية، إيران في توسعها المثير لا تضع حساباً للعرب لأنهم يتعاملون معها على شكل منفرد ولم تكن هناك وقفة واحدة وحقيقة للعرب جميعا.

إيران على مدى العقود الماضية تتصرف وكأنها هي المتحكمة في المنطقة وتعاملت مع الصبر والحلم العربي بنوع من الاستخفاف، وهذا تاريخها مع العرب فحتى حين تم اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وضعت اسم القاتل على أحد شوارع طهران، أي استخفاف أكثر من ذلك، وواصلت هذا المشوار إلى أن أخذها جنون العظمة أن تتوسع إلى جنوب الجزيرة العربية في اليمن متجاهلة أن اليمن هو عمق استراتيجي للسعودية ودول الخليج ومن المستحيل القبول بسقوط اليمن في الفلك الإيراني.

طرح عادل الجبير وزير الخارجية السعودي تساؤلا مهماً وهو هل ممكن أن تتحول إيران من الثورة إلى الدولة، وهو السؤال الجوهري لأن إيران في ممارساتها مازالت تعيش فكر الثورة بل وتسعى إلى مشروعها في تصدير الثورة، ويفترض في أي ثورة في العالم أن تمر بمرحلة اندفاع ثم نضوج لكن في الحالة الإيرانية لم تتحول إيران بعد إلى مفهوم الدولة على الأقل في سياستها الخارجية..

وتتجاهل القانون الدولي الذي ينظم العلاقات السياسية بين الدول، وبنده الأول عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واحترام السيادة. بينما الممارسات الإيرانية عكس ذلك تماما.

انتقال ملف الموضوع الإيراني إلى جامعة الدولة العربية،هو الطريق الصحيح لمعالجة هذا الملف، فيجب أن لايوضع هذا الخلاف على انه سعودي - إيراني، بل هو خلاف عربي - إيراني، وإيران تتعامل مع مبدأ الواقعية متى ما شعرت بضرورة ذلك فهي التي ألغت كل أدبياتها المكررة حول الشيطان الأكبر وتحولت إلى علاقة مصالح مع الولايات المتحدة بعدما شعرت بآلام المقاطعة وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي الداخلي.

العرب في موقف مهم وهم أمام خيارين أن يكونوا من يقرروا مستقبلهم أو لايكونوا أبداً، ومطلوب منهم أن يثبتوا لأنفسهم وللعالم أنهم يستطيعون أن يديروا أمورهم بأنفسهم..

وأن يواجهوا إيران ليس بالمفهوم العسكري، بل بأسلحة كثيرة يمتلكها العرب فلو قرر العرب، بعد المهلة التي اعطوها لإيران ووجدوا أن تمارس نفس السياسة في التدخل ودعم الميليشات المسلحة، قطع علاقاتهم وإيقاف التبادل التجاري والملاحة الجوية ستشعر إيران بأن العرب لهم موقف قوي وستحترم الإرادة العربية وستضطر أن تعدل من سياستها، فهناك كروت كثيرة يمتلكها العرب لو قرروا أن يأخذوا موقفاً موحداً وجماعياً.

رب ضارة نافعة. ربما الأحداث الأخيرة نبهت العالم العربي إلى واقع مهم، ومنحتهم فرصة أن يوحدوا مواقفهم ويوقفوا هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية العربية، ويتخذوا قرارات على حجم المسؤولية ويلتزموا بتنفيذها ككيان واحد، فكما هي الأزمات تظهر فإن الفرص تحضر معها ويقتنصها من يستطيع أن يدرس الماضي ويستوعب الحاضر ويقرأ المستقبل.