لا أحد يحب «الخطأ» أو يدعو إليه، ومع ذلك، لا يمكن أن نتجاهل أن الأخطاء هي من طبيعة الحياة، بل ويمكن القول، بشكل ما، إنها وراء التقدم والحضارة، فالعلم يقوم على أساس التجربة والخطأ، ومع اكتشاف الأخطاء، نصل إلى الحقيقة أو نقترب منها.
الفارق بين العلم الحديث وعلوم الأسبقين، أن العلم المعاصر، يعتمد على اختبار الفروض العلمية على أرض الواقع، من خلال التجربة والخطأ، وفي ضوء ذلك تتقدم المعرفة، فالمشكلة الحقيقية ليست في وجود الخطأ في ذاته، بقدر ما هي في الفشل في التعلم من الأخطاء، فالعاقل، ليس هو من لا يخطئ، وإنما هو من يتعلم من أخطائه، ويصوب نظرته إلى الأمور، حتى يصل إلى الطريق الصحيح.
ويكفي أن ننظر إلى تاريخ البشرية، أو حتى حياة الفرد، لنكتشف، في كلا الحالتين، أنه تاريخ التجربة والخطأ، والاستفادة من هذه الأخطاء، حتى غير المقصودة، لتصحيح المسار، فالتقدم البشري كله هو تاريخ اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، فالوليد يتعلم السير بعد محاولات متعددة للوقوف والسيطرة على توازنه.
وذلك بعد إخفاقات متعددة، ونفس الشيء في تعلمه للغة في البيت، وبعدها في المدرسة والجامعة، بل والحياة العملية، وفي مسرح الحياة العامة، لا يمكن اكتساب الخبرة إلا من خلال التجارب، وبعضها بالغ الألم والتكلفة.
لذلك، فإن المجتمعات، بدورها، تقدمت بفضل التجارب واكتشاف الحقائق، من خلال مراحل متعددة من الأخطاء، والتعلم من هذه التجارب، وليست هناك نهاية لهذا التطور، فنحن نتقدم كل يوم، ولكن هذا التقدم لا يتحقق مجاناً، فهناك إخفاقات هنا وهناك، ومع ذلك، نتقدم كل يوم لأننا على استعداد لتحمل الأخطاء والتعلم منها لعدم تكرارها ومجاوزتها،.
وهكذا طريق التقدم، فهو ليس طريقاً سلساً ومعبداً، بل هو طريق متعرج متعدد المطبات والعراقيل، ولكنه مع ذلك يستحق المحاولة والاستفادة من الدروس والتجارب، وهكذا العلم والتعلم، ليس بالبكاء والعويل، وإنما بالتأمل وإعادة النظر، واستخلاص الموعظة والأمل في المستقبل، ومعاودة المحاولة برؤية جديدة، وهذا هو طريق التطور.
أي خطأ أو تغيير في نسخ الصفات الوراثية بين الأجيال، يأتي المولود الجديد بخصائص مختلفة نوعاً ما عن الوالدين، ليس لاختلاف التوليفة بين الخصائص الموروثة من الأم والأب، وإنما بسبب خطأ بيولوجي (غير مقصود)، في نسخ الصفات الوراثية بين الأجيال، وهنا يأتي المولود الجديد بخصائص مختلفة وغير مقصودة، نتيجة نوع من الخلل في عملية استنساخ الصفات الوراثية بين الآباء والأبناء.
لكن، وهذا نادر جداً، قد تؤدي الخصائص الجديدة إلى زيادة قدرة المولود على الحياة أو مقاومة الأمراض، ويترتب على ذلك، أن يتمتع المولود الجديد بقدرات أفضل للحياة.
انظر مثلاً، إلى معظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء، خاصة المناطق المعرضة لأمراض الملاريا، حيث لوحظ أن أبناء هذه الدول، يتمتعون بصفات وراثية، تجعلهم أكثر قدرة على مقاومة الملاريا، ولكنهم أيضاً، وبسبب هذه المناعة الوراثية، فإن قدرتهم على هضم الألبان، بعد فترة الرضاعة، تكون منعدمة.
وقد عرفت الولايات المتحدة هذه الظاهرة بين الأميركيين من أصول أفريقية، فهنا يبدو، أن هذه الخصائص الوراثية المنتشرة بينهم، إنما ترجع إلى أنهم أحفاد الأفارقة الذين حملوا هذه الخصائص الوراثية من أفريقيا، ونحن بصدد نوع من الخطأ البيولوجي، الذي أثبت فائدته في ظروف جغرافية معينة، وبالتالي، انتشر في الأجيال اللاحقة لأبناء هذه المناطق، ولكنه لم يكن مناسباً لظروف البيئة الجديدة.