في ديسمبر 2009 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قرارها بإجماع أعضائها اعتبار التاسع والعشرين من أغسطس يوماً دولياً لمناهضة التجارب النووية. وهو قرار جاء متأخراً بعض الشيء خاصة بعد أن أجريت 2120 تجربة نووية في الفترة التي أعقبت أول تفجير نووي أميركي منتصف يوليو 1945.

هذا القرار جاء بعد أن رُصد العديد من التأثيرات المدمرة لهذه التجارب على الكائنات الحية خاصة حين تجرى في الفضاء أو تحت سطح الماء وليس تحت سطح الأرض. كان هذا القرار مقدمة لقرار آخر أكثر أهمية صدر أيضاً عن الجمعية العامة عام 2013 باعتبار السادس والعشرين من سبتمبر يوماً دولياً للإزالة الكاملة للأسلحة النووية.

المبادئ الإنسانية التي تتبناها المنظمة الدولية والتي ترجمت في قراريها الآنفي الذكر هناك من يقف متحدياً لها، فها هي كوريا الشمالية تعود إلى واجهة الأحداث لتذكر الأسرة الدولية بملفها النووي الساخن وتعلن في السادس من يناير الجاري عن نجاحها بإجراء تجربة قنبلة هيدروجينية في رابع تفجير نووي تجريه بيونغ يانغ منذ عام 2006 والأول في تفجير قنبلة هيدروجينية.

الخبراء الغربيون في الأسلحة النووية يشككون بصحة ما ورد في الإعلان الكوري لأن الموجات الزلزالية التي رُصدت لم تكن بالسعة الكافية لتكون ناجمة عن تفجير قنبلة هيدروجينية. قوبل هذا الحدث بالشجب والتنديد من قبل معظم الدول وعلى رأسها الصين الدولة الأقرب إلى بيونغ يانغ والتي أكدت ما سبق وطالبت به مراراً من ضرورة إزالة الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية.

كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تجري تجارب نووية في هذا القرن مبررة ذلك بأنها تمارس حقاً سيادياً ضمن سيناريو الردع لمواجهة تهديد أميركي بحرب نووية، كما ورد على لسان رئيسها.

والحقيقة أن عقيدة الردع النووي باعتبارها ركناً أساسياً في إستراتيجية الأمن القومي ووسيلة لمنع الآخرين من تهديد هذا الأمن لا يمكن أن تنطبق على حال دولة مثل كوريا الشمالية حين تتحدث عن ردع الولايات المتحدة.

فالحديث عن الردع يصبح فيه بعض المنطق حين يكون هناك توازن في القوى يتناول عدد الرؤوس النووية وعدد الصواريخ وعدد القاذفات الثقيلة القادرة على إيصالها إلى أهدافها وإلى الكثير من التفاصيل اللوجستية ذات العلاقة وليس ذلك وارداً في حالة المقارنة بين ما تمتلكه بيونغ يانغ وما تمتلكه واشنطن.

واشنطن لا تشكل التهديد الأكبر لمستقبل كوريا الشمالية وأمنها كما ورد في تصريح رئيسها، فالتهديد الحقيقي يأتي من شقيقتها الجنوبية وهو تهديد غير عسكري على الرغم من أن عدد سكان كوريا الجنوبية يزيد على ضعف سكان جارتها الشمالية والجيش الجنوبي أكبر عدداً وأقوى تسليحاً إلا أنه لا يمتلك أسلحة نووية مع أنه قادر على الحصول عليها بحكم تقدم الدولة العلمي والتكنولوجي.

التهديد الحقيقي هو مستوى الحياة المرفهة التي يتمتع بها الفرد والرخاء الاقتصادي لهذه الجارة المتميزة ودورها في الاقتصاد العالمي. فعند مقارنة حجم الاقتصاد بين الدولتين نرى أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي لكوريا الشمالية هو 40 مليار دولار فقط في حين يبلغ 1622 مليار دولار لكوريا الجنوبية..

ويبلغ دخل الفرد الواحد سنوياً في كوريا الشمالية 1800 دولار في حين يبلغ هذا الدخل 32400 دولار في كوريا الجنوبية، أما استخدامات الإنترنت فيبلغ 0.1% في كوريا الشمالية مقابل 81% في كوريا الشمالية، هذا وفق قاعدة البيانات في موقع صحيفة الغارديان البريطانية.

كوريا الشمالية تحت ضغط مستمر من كوريا الجنوبية التي تسمح ظروفها واقتصادها القوي بالسيطرة عليها حين تدب في أوصالها معالم الانحلال، كما حصل حين إنهار جدار برلين..

وتحللت ألمانيا الديمقراطية. فهي تعيش في عزلة منذ تأسيسها وفي حالة حصار بسبب العقوبات الدولية التي فرضت عليها من قبل مجلس الأمن الدولي في مناسبات عدة وقد ازدادت عزلتها عند خروجها من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1993 ومن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1994، ومقاطعتها لمحادثات السداسية حول ملفها النووي عام 2008.

وهي تزداد عزلة بسبب إمعانها في التمرد على إرادة الأسرة الدولية والاستمرار في استفزازها.

تجربة الملف النووي الإيراني ماثلة أمام بيونغ يانغ، فالأسرة الدولية لن تسمح لها بالاستمرار بتخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم وإجراء التجارب النووية والاستمرار بصناعة القنابل النووية والصواريخ البالستية بعيدة المدى..

وإذا كانت العقوبات والضغوطات التي مورست عليها حتى الآن غير كافية للحد من أنشطتها النووية فهناك متسع للمزيد منها، خاصة وأن كوريا الشمالية تمعن في إغضاب الصين حليفها الأوحد.

فالصين وكوريا الشمالية قريبتان من بعضهما بسبب الروابط التأريخية والأيديولوجية التي رافقت مرحلة تأسيس الدولتين، الصين هي التي تجهز كوريا الشمالية بما تحتاجه من الطاقة ومن الغذاء، فوفقاً لتقارير المنتدى العربي للدفاع والتسليح تسهم الصين بما يقرب من 90% من واردات كوريا الشمالية وحوالي 80% من حاجاتها الاستهلاكية وقرابة 45% من غذائها.

إلا أن من المشكوك فيه أن ترفع الصين من سقوف ضغوطاتها الاقتصادية كثيراً على كوريا الشمالية لأسباب عدة اقتصادية وسياسية فهي تعمل على إيجاد حالة توازن بين حجم هذه الضغوط وبين حجم مخاوفها من الوجود العسكري والسياسي للولايات المتحدة في المنطقة، لذلك ليس من المتوقع أن يصار في وقت قريب تسوية الملف النووي الكوري الشمالي.