مديرة مدرسة أرسلت خطاباً لأولياء الأمور تدعوهم للامتناع عن توصيل أطفالهم للمدرسة صباحاً «بالبيجامات»! هذا ما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية. قالت المديرة إنها لاحظت ازدياد عدد أولياء الأمور الذين يأتون صباحاً لتوصيل أطفالهم بملابس النوم.
ولأنها تسعى «للارتفاع بمستوى المدرسة» وتعمل على أن يتعرف الأطفال على «عالمهم الخارجى»، أي خارج المنزل. فقد دعت أولياء الأمور لأن «يغسلوا وجوههم صباحاً ويرتدوا ملابس مناسبة قبل اصطحاب الأطفال للمدرسة».
وقد ذكرت الجارديان أنه اتضح أن سلوك أولياء الأمور الصباحي هذا «مثار قلق عدد متزايد من المدارس» في شمال إنجلترا وأن مديرة المدرسة رغم أنها تلقت عشرات من رسائل التأييد والدعم لموقفها إلا أن عدداً من أولياء الأمور ذهب للمدرسة فى اليوم التالى بملابس النوم تحدياً لها ورفضاً لمطلبها.
الخبر رغم طرافته مهم لأنه يتعلق بعدد من المفاهيم كان منها ما قالته المديرة بنفسها من أنها تحترم «الحق في أن تفعل ما تريد»، أي الحرية الشخصية.
ولا يوجد بالطبع قانون يمنع الناس من الخروج من منازلهم بملابس النوم. لكن المجتمعات تحيا بالقانون إلى جانب الذوق العام وقيم أخرى كالجمال والاحترام. وتربية النشء تتطلب تعليم الأطفال قيماً كثيرة لا فقط المواد الدراسية. وتلك القيم لا تقتصر على «تعريفهم بالعالم الخارجي»، على حد تعبير مديرة المدرسة.
فتصور معي، عزيزي القارئ، الصورة التالية التى يراها الطفل كل صباح. فهو يصحو من نومه ليجد أباه أو أمه ينهض من فراشه مسرعاً، ويقوم، دون حتى غسل وجهه، بإعداد الصغير، في عجالة، بملابس وأدوات المدرسة ثم يضعه لجانبه في السيارة يقوده إلى حيث باب المدرسة وهو لايزال بملابس نومه. ثم يعود ولي الأمر لبيته إما لاستكمال نومه أو لبدء يومه بعد التخلص من الطفل.
والسؤال ما هي يا ترى المعاني التى يستخلصها الصغير من وراء كل ذلك؟ في تقديري أن أول ما يصل لذهن الصغير هو أن المدرسة لابد أنها مرادف للعذاب! فالطفل لابد وأنه لاحظ أن «المدرسة» بالنسبة للأب أو الأم بمثابة واجب ثقيل للغاية لا بهجة فيه على الإطلاق ومن ثم سوف يستنتج أنها، أي المدرسة، ستكون كذلك بالنسبة له أيضاً.
وقد يصل لذهن الصغير أن «العالم الخارجي» كله بمثابة عذاب، كالمدرسة تماماً. وقد يفهم أن ملابس المدرسة ثقيلة الظل هي الأخرى.
إذ ما الذي يجعله مجبراً على ارتدائها بينما ولي أمره لايزال في ملابس النوم؟ وقد تتأكد كل هذه المعاني وغيرها حين يرى الطفل أن والديه يتأنقان عند التسوق أو التنزه، فيستنتج أن تلك الأماكن مبهجة تستحق أن يرتدي لها الوالدان أفضل ما عندهما بينما المدرسة وحدها مكان كريه لأنها التى يذهبان إليها دون عناية بمظهرهما ولا يكاد الواحد منهما يفتح عينيه.
وقد يلاحظ الطفل أيضاً أن ربما كل ذلك مرتبط بالاستيقاظ مبكراً فتصل لعقله الصغير إشارات سلبية بخصوص الموعد المحبب للاستيقاظ من النوم.
والحقيقة أن الكثير من البالغين لا يدركون مدى ذكاء صغارهم ويتصورون أن أموراً صغيرة يفعلونها لا وزن لها في تربية الأبناء، رغم أن ذكاء الأطفال وحسهم الفطري يجعلهم يلاحظون أشياء بسيطة للغاية ويربطون بينها وبين ما يتعلمونه من آبائهم.
ورغم أن مديرة المدرسة ذكرت الحرية الشخصية باعتبارها الدافع وراء سلوك أولياء الأمور إلا أن المفهوم الأهم في تقديري هو ما يتعلق بالخط الفاصل بين المجالين العام والخاص.
فكثيراً ما يتصور المرء أن حريته الشخصية تتيح له أن يفعل ما يريد بالطريقة نفسها في المجالين الخاص والعام دون أي فارق بينهما. وتلك هي القضية. فالحرية الشخصية تمنح الفرد، مثلًا، حقه في أن يترك أطفاله يلهون كما يشاءون في منزله.
لكن بمجرد أن يخرج معهم لمطعم عام، فلا يجوز له أن يترك الأطفال يتصايحون ويلهون بين الموائد بدعوى الحرية الشخصية. والمجال العام ليس معناه أنه ليس ملكاً لأحد وإنما معناه أنه ملك للجميع، من حق كل منهم الاستمتاع فيه دون صخب أو مضايقات.
فأنت لك مثلاً الحرية الشخصية في أن تتحدث بصوت عال في بيتك. لكن تأكد يا عزيزي أن المارة في الشارع، أو صاحب المكتب المجاور لك في عملك لا يهمهم مطلقاً ما تقوله في الهاتف النقال ولا يريد أحدهم بالمناسبة أن يسمعه، بل ربما صوتك يعطله أو يزعجه.
أعجبني موقف مديرة المدرسة لأنها أرادت تنبيه أولياء الأمور إلى أن تعليم أبنائهم لا يتعلق فقط بقاعات الدرس. وانزعجت من رد فعل بعضهم الذين ذهبوا في اليوم التالي بملابس النوم تحدياً لها. فأنت تتوقع منهم أن يتواروا خجلاً أو أن يسألوا أنفسهم لماذا يصرون، إذن، على ارتداء الصغار الزي المدرسي؟!