مع أنها أرض البرتقال إلا أن الفلسطينيين قبلوا بنصف برتقالتهم واعترفوا بالنصف الثاني لإسرائيل.

وعلى الرغم من عشرات القرارات الدولية التي تعطيهم حقهم بإقامة دولة في «نصف برتقالة» إلا أن الإسرائيليين يعصرون ما في نفوسهم من خبث تاريخي وعناد توراتي ويضربون عرض الحائط وطوله بكل القرارات ويتمترسون خلف حائط الفصل العنصري ويتقوقعون في عقلية القلعة التي ما أفادت ممالكهم القديمة التي أقاموها على أرض كنعان على مر التاريخ.

يدرك الأوروبيون أن السبب الرئيسي في أزمات الشرق الأوسط يكمن في عدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية إذ أن غياب هذا الحل يخلق أرضية مناسبة للتطرف الذي يتخذ أحياناً شكل العنف والتمسح بمسوح الدين كما الحركات المتأسلمة والإخوان المسلمين الذين يسيرون على مبدأ أن طريق القدس تمر بالعواصم العربية كافة.

وما أوجد أيضاً الفكر الداعشي الذي أجل «جهادهم» المزعوم لتحرير القدس إلى ما بعد «تحرير مكة»! وطبعاً بعد تدمير الدول العربية.

لكن كلما تدحرجت كرة الصوف واختلطت خيوطها عاد الأوروبيون، الأقرب إلى المنطقة العربية والذين يتأثرون مباشرة بما يجري فيها، إلى التقاط طرف الخيط الأساسي في الصراع وهو الخيط الفلسطيني. وهذه المرة كانت فرنسا من التقط طرف الخيط، حيث أعلن لوران فابيوس وزير الخارجية في خطابه السنوي أمام السفراء المعتمدين في فرنسا أخيراً أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية إذا تعثرت المفاوضات التي سيدعو إليها في مؤتمر دولي بهدف إنشاء دولتين مستقلتين..

وقال «لا يمكن أن نسمح بانهيار حل الدولتين. هذه مسؤوليتنا كعضو في مجلس الأمن وكقوة ساعية للسلام». وأضاف خلال اللقاء أن فرنسا ستبدأ الإعداد «خلال أسابيع لمؤتمر دولي يجمع الأطراف والشركاء الأساسيين، الأميركيين والأوروبيين والعرب، بهدف حماية حل الدولتين وإنجاحه».

وأبدى فابيوس أسفه «لاستمرار الاستيطان الإسرائيلي»، وقال «حان الوقت الآن للتقدم نحو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه المرة في شكل نهائي مع اعتبار أمن إسرائيل ضرورة مطلقة. وفرنسا لن تتراجع عن ذلك.

فالشعب الإسرائيلي له الحق بأن يعيش بأمن وسلام، ولكن ليس هنالك سلام من دون عدل. والوضع الحالي بالنسبة إلى الفلسطينيين غير عادل بالأساس لأنهم لا يملكون دولة». فيما اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنه يشجع الإرهابيين لأنه ذكّر بلا شرعية الاستيطان وطالب بوقفه».

على الفور انتقد نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وراعي مقولة «الدولة اليهودية» تصريحات فابيوس قائلاً إن «تهديد» فرنسا «يشجع الفلسطينيين على عدم التوصل إلى حل وسط». وعاد إلى طريقته في الكذب معرباً عن استعداد حكومته للدخول في «مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة أو إملاء بنود».

أما الولايات المتحدة، وكعادتها «فقد ردت بحذر على كلام فابيوس، قائلة إنها تفضل المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أما كلامها عن التخلي عن السياسات العدوانية الإسرائيلية فلا يعدو سوى مجرد كلام في الهواء.

ففي مقابلة بثتها قناة تلفزيونية إسرائيلية في يونيو الماضي لمح الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أنه من الممكن أن تغير واشنطن سياستها في استخدام حق النقض (فيتو) دائماً في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من قرارات دولية تدينها.

وقال: «هناك خطر أن تخسر إسرائيل مصداقيتها. المجتمع الدولي لا يصدق أساساً أن إسرائيل جدية في ما يتعلق بحل الدولتين». ورداً على سؤال عن مواقف نتانياهو أبدى أوباما تشكيكاً في مدى صدقية رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال «من الصعب أن يأخذ المرء على محمل الجد تصريحات تم الإدلاء بها بعد الانتخابات».

الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها فرنسا هذا الموقف، المنطقي نسبياً، من لب الصراع في المنطقة ولا هي المرة الألف التي تضع فيها أميركا العصي في أي دولاب يتحرك باتجاه الحل العادل للقضية الفلسطينية؛ فقد سبق أن أعلن فابيوس ذلك في نوفمبر 2014، كما لوح حينها بأن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في حال استمرت حالة الجمود في المفاوضات الفلسطينية — الإسرائيلية.

إلا أن المسألة توقفت عند اعتراف البرلمان الفرنسي بدولة فلسطين في ديسمبر 2014، ودعوته الحكومة الفرنسية للاعتراف بها رسمياً، وحتى الآن لم تأخذ الحكومة بتلك التوصية، العقبة دائماً الموقف والضغط الأميركي فقد سبق أيضاً أن قام فابيوس بعد إعلانه هذا بجولة في عواصم عربية عدة ولرام الله والقدس المحتلة وحصل على دعم عربي قابله رفض إسرائيلي وتلويح أميركي بالفيتو في مجلس الأمن!

وإذا ما واصلت واشنطن موقفها المنحاز لإسرائيل فسوف تكون تهديدات فرنسا مجرد قنبلة صوتية في منطقة يملؤها ضجيج حروب تداخلت فيها مصالح ومصانع أسلحة دول عظمى!!