احتفظنا خلال الحرب الباردة بقوة يعتد بها من الأسلحة النووية مع نشر ما يزيد على عشرة آلاف رأس نووي استراتيجي فيما يعرف بالمثلث: الصواريخ البالستية العابرة للقارات والصواريخ البالستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات المسلحة بالقنابل النووية وصواريخ كروز الجوية.
وحتى مع التقديرات المتحفظة للتآكل المتوقع لهذه القوة، فقد كانت من الجبروت بحيث تكفي لتدمير الاتحاد السوفييتي مرات عدة. وهكذا فقد اعتبرت رادعاً مؤكداً للهجوم على الولايات المتحدة.
ولكن الحفاظ على هذه القوة الرادعة الجبارة له مجموعته الخاصة من الأخطار، فقد كان هناك التهديد المتواصل بحرب نووية يمكن أن تندلع من خلال سوء التقدير (على نحو ما أمكن أن يحدث تقريبا في أزمة الصواريخ الكوبية) أو بالمصادفة (وأنا على إدراك بثلاثة إنذارات زائفة في هذا الصدد ولست أدري كم منها وقع في الاتحاد السوفييتي) وكان يمكن من هذه الحروب النووية أيا كانت كيفية انطلاقها، أن تضع نهاية لحضارتنا، ولكننا اعتقدنا آنذاك أنه كان من الضروري خوض هذه المخاطر بسبب الأخطار التي شكلها السوفييتي.
عندما انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفييتي، بدا لي انه لم يعد من الضروري خوض غمار هذه المخاطر الرهيبة، وعندما كنت وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة، جعلت من أبرز أولوياتي تقليل المخاطر التي تشكلها الترسانة النووية الخاصة بالحرب الباردة.
وخلال المدة التي شغلت فيها هذا المنصب، قمنا بتفكيك حوالي 8000 سلاح نووي في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ووقعنا معاهدة حظر شامل للاختبارات النووية، وصدقنا على معاهدة «ستارت 2». وعندما غادرت منصبي اعتقدت أننا في طريقنا للتعامل مع الخطر الذي شكلته الترسانة النووية الخاصة بالحرب الباردة.
لقد تم حقاً إحراز بعض التقدم بصورة متواصلة، فقد فعـّلت معاهدة موسكو في ظل إدارة بوش، ومعاهدة ستارت الجديدة في الفترة الأولى من إدارة أوباما، وحققت كل منهما تخفيضات متواضعة في قواتنا النووية المنشورة، ولكن منذ ذلك الحين توقفت التخفيضات.
إنني أعتقد أننا الآن على شفا سباق أسلحة نووية جديد، وأننا نعود مجددا إلى عقلية الحرب الباردة، وعلاوة على ذلك أعتقد بأن مخاطرة حدوث كارثة نووية اليوم أكبر مما كانت عليه خلال الحرب الباردة.
ومع ذلك فإن الرأي العام لدينا لا يدرك المخاطر النووية الجديدة التي نواجهها، وقد ألهمني هذا بتأليف كتاب يحمل عنوان «رحلتي عند الحافة النووية» بهدف تثقيف الرأي العام فيما يتعلق بهذه الأخطار، وسردت فيه تجاربي التي أفضت بي إلى أن أشعر بصورة متزايدة بالانزعاج حيال الأخطار النووية المتزايدة.
إنني أصف العمل على تشكيل فريق تحليل خاص في أزمة الصواريخ الكوبية، وفي وقت لاحق أتحدث عن إنقاذي بمكالمة هاتفية من قيادة الدفاع الجوي بأميركا الشمالية خلال أحد الإنذارات الزائفة، كما أفصل القول في عملي في تقليص الأخطار النووية خلال شغلي لمنصب وزير الدفاع، والجهد المشترك الذي بذلته ابتداء من 2007 مع جورج شولتز وهنري كسنجر وسام نون.
إن روسيا تنطلق بالفعل في برنامجها لإعادة البناء، وقد انتهزت كل الفرص للإعلان عما تقوم به، كما استخدمت هذه الترسانة لتهديد جيرانها الأوروبيين. وعلى الرغم من أنني أعتقد أن هذه التهديدات لفظية، فإنني أدرك أن غريزتنا الطبيعية هي الرد بالسلاح نفسه، والرد على التهديدات بتصعيد بناء الأسلحة، ولكن هل نرغب حقاً في التخلي عن الدبلوماسية؟
هل نريد حقاً أن نعيد إيجاد الترسانة النووية الخاصة بالحرب الباردة بتكاليفها الهائلة وأخطارها الكبرى؟ إنني أعتقد أن الوقت قد حان لالتقاط نفس عميق والتساؤل عما ينبغي علينا حقاً القيام به حول هذه القضية التي تؤثر على وجود حضارتنا ذاته.
إننا لا ينبغي أن نقبل أن الدبلوماسية عاجزة عن تقليص نزعة العداء الراهنة بين الولايات المتحدة وروسيا. إن لنا العديد من المصالح المشتركة مع روسيا، وحتى فيما نواجه موسكو بشأن قضايا متنازع حولها، فإنه يتعين علينا العمل معاً حول قضايا أخرى مثل منع انتشار الأسلحة النووية والإرهاب النووي.
وبينما ناديت خلال السنوات العديدة الماضية بالتحرك نحو التخلص من الأسلحة النووية، فإنني أعتقد أنه في الظروف الجيوسياسية الراهنة، يتحتم علينا أن نواصل الاحتفاظ برادع قوي سيقتضي بعض التحديث لقواتنا المتقادمة، ولكننا فيما نقوم بهذا التحديث، لا يتعين علينا أن نرد بصورة منهجية على روسيا، كما لا ينبغي لنا أن نعيد بناء القوة التي كانت لدينا خلال الحرب الباردة.
خلال العقود الستة الماضية، تغيرت التقنية بشكل هائل على نحو ما تغيرت الأوضاع الجيوسياسية، وأنا أعتقد أنه ليس من الضروري الاستمرار في الاحتفاظ بالمثلث الذي تأسس خلال الحرب الباردة، وسوف أدعم زيادة قوة الغواصات وبناء مقاتلات شبحية طويلة المدى يمكنها شأن القاذفات ب-52 أن تستخدم في القوات النووية أو التقليدية.
ولكن الأكثر أهمية من وجهة نظري حول هيكل القوة قلقي من أنني فيما يبدو من ذلك أقرب إلى صوت في البرية.
إن ما أدعو إليه حقاً ليس هيكل قوة محدداً، وإنما هو نقاش وطني جاد فيما يتعلق بهذه القضية تترتب عليه عواقب عظيمة الشأن فيما يتعلق بالأمن والتمويل بالنسبة للولايات المتحدة وللعالم بأسره. وأخذ في الاعتبار التكاليف الهائلة التي تترتب عليه، وعلى نحو أكثر أهمية القضايا الأمنية المعرضة للخطر، فإننا يتحتم علينا ألا نتخذ عشوائياً قراراً حول كيف ستبني قوتنا الرادعة المستقبل.