عندما نتحدث عن الإمارات فإننا نتحدث عن مجتمع أسس للقيم الإنسانية المشتركة من الإخاء والتعايش والمحبة والسلام. حيث تضرب هذه القيم بجذورها أعماق التاريخ. لم يكن قرار قيادتنا في الدولة بإنشاء وزارة معنية بالتسامح أمراً جديداً، بل هو تأسيس لمرحلة جديدة.
مرحلة تعزيز ثقافة التسامح التي عرفها مجتمع الإمارات قبل قيام كيان الدولة بقرون طويلة. وكذلك المحافظة على مكتسبات هذه الثقافة التي كانت سبباً رئيساً للتنوع، ويتمثل ذلك في هذا العدد الهائل من الجنسيات والأعراق والديانات المختلفة المقيمة على هذه الأرض المباركة.
ولعلنا لاحظنا كذلك - عند الإعلان - عن قيام هذه الوزارة أن هناك دوراً متوقعاً لهذه الوزارة الجديدة في ترسيخ قيم التسامح على مستوى المنطقة والعالم.
لم يعرف مجتمع الإمارات خصومة مع الآخر، أياً كان هذا الآخر مختلفاً في الدين أو اللغة أو العرق. بل إن العديد من الجاليات المقيمة في الدولة تنسى اختلافاتها وخصوماتها التي تفرق أبناء تلك الجاليات في مواطنها الأصلية لحظة وصولها إلى الدولة.
حيث يلتزم الجميع بقيم الثقافة الإماراتية. بل ويتوجه الجميع للإسهام بإيجابية، جنباً إلى جنب مع إخوانهم المواطنين في بناء النهضة التنموية الفريدة في المنطقة.
عرفت الإمارات التسامح الديني بشكل يدعو للإعجاب، بل والفخر. وفي ذلك رد على مغالطات ومزايدات الخطاب الديني المتشدد. ولعلنا نذكر تلك الأصوات الشاذة التي استنكرت السماح ببناء معبد هندوسي عند زيارة رئيس الوزراء الهندي للدولة العام الماضي.
وقد كانت دهشتنا كبيرة عندما علمنا بوجود معبد هندوسي في دبي منذ مطلع القرن الماضي، ولا زال مرتادو هذا المعبد يؤدون طقوسهم في حرية تامة.
هذه الحرية الدينية والتسامح تجاهها كانت انعكاساً للاندماج الذي حظيت به الجالية الهندية في مجتمع الإمارات. حيث كان لتجارهم في دبي سوقهم الذي عرف بسوق البانيان. بل كان أحد أبناء هذه الجالية عضواً في المجلس البلدي في أواسط القرن الماضي.
أما الدير المسيحي الذي تم اكتشافه في جزيرة صير بني ياس عام 1992 فهو دليل آخر على تنوع ديني ووجود مسيحي عرفته الإمارات منذ القرن السابع الميلادي.
لا أتصور أننا في حاجة لإيراد المزيد من الأمثلة والأدلة على تسامح دولة الإمارات ومجتمعها، لكني أكاد أجزم بأن التحدي الأكبر يتمثل في تعزيز هذه الثقافة والمحافظة عليها ونشرها. ولا يكون ذلك إلا من خلال مناهجنا التعليمية ومنابرنا الدينية ووسائل الإعلام.
وقد كان حزم الدولة رائعاً في سن التشريعات التي تواجه ما يهدد نسيج هذا المجتمع الإنساني المتسامح، وذلك عندما أقرت العام الماضي قانون مكافحة التمييز والكراهية والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كل أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
حفظ الله هذه البلاد وأدامها نموذجاً فريداً للتعايش الإنساني.