المشاريع الكبيرة عادة مجرد الحديث عنها يثير جدلاً. وكان مشروع التحالف الإسلامي العسكري واحدا من المشاريع التي حازت على اهتمام كبير وطرحت تساؤلات كثيرة في وقتها.
ووضع البعض سيناريوهات لقوات عسكرية مشتركة وتجميع حشود لهذه القوات مع أن ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أكد في مؤتمره الصحافي الذي عقده في ديسمبر الماضي وقت الإعلان عن التحالف، بأنه لن يكون هناك حشود عسكرية، بل مركز عمليات في الرياض واستدعاء القوات وعددها يحدد حسب الحالة وبالتفاهم مع الدول المشاركة وبالتنسيق مع المنظمات الدولية، وقال إن التحالف سيحارب الإرهاب عسكرياً وفكرياً وإعلامياً.
وطبيعة الحال كان هناك مشككون في هذا المشروع ووصفه البعض بأنه فقاعة إعلامية. وهم يتجاهلون أن السياسة السعودية لا تعتمد على الفقاعات، بل هي استراتيجية بعيدة المدى وتحقق النتائج ولو بعد حين. وأفضل مثال قدرة السعودية على صناعة تحالف عاصفة الحزم والتي شاركت فيها نحو عشر دول.
ولم يكن فقط تنسيقاً استخباراتياً وسياسياً بل بتواجد ومشاركة عسكرية فاعلة، وهي العملية العسكرية التي استطاعت فيها السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول التحالف في إعادة الشرعية إلى اليمن وحررت معظم الأراضي اليمنية، وأوقفت فوضى التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اليمني، تحالف عاصفة الحزم كان مبادرة سعودية فاجأت الكثير من دول العالم بما فيها القوى الكبرى.
وأكدت أن السعودية تمارس سياسة الحلم كخيار تؤمن به ولكنها متى ما استدعى الأمر فإنها صاحبة القيادة في الحرب.
مشروع التحالف الإسلامي خاطب وجدان كل مسلم لأن هناك من يحاول أن يختطف الإسلام ويمارس أشنع الإرهاب. وهذا شوه من صورة الإسلام الذي يقوم على السلام والتآلف. وكان مطلوباً من المسلمين أن يبادروا ليس فقط بالاحتجاج والاستنكار بل بالوقوف ككيان واحد ضد هؤلاء الذين يدعون الإسلام وهم أكبر أعداء للإسلام.
والسعودية حينما تقوم بهذه المبادرة، فهي تنطلق من حسابات مهمة فهي قائدة للعالم الإسلامي وسياستها تقوم على لم الشمل وتجنيب المنطقة الحروب والصراعات.
وتنادي دائماً بسياسة تجلب الأمن والاستقرار للمنطقة. وهي ترفض التصنيفات التي تظهر في بعض التحليلات من أنه تحالف سني ضد تحالف شيعي، فالسعودية لم تكن تتبنى أبداً سياسة طائفية، فالحرب ستكون ضد الإرهاب أياً كان بغض النظر عن شكل الرداء الذي تتشكل فيه هذه الخلايا السرطانية.
الترجمة الحقيقية لهذا التحالف كانت في أقل من ثلاثة أِشهر في اجتماع الرياض هذا الأسبوع لرؤساء أركان الدول المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري، وشاركت فيه تسع وثلاثين دولة، ووضعت فيه الأسس لآلية العمل المشتركة واستراتيجية من أربعة محاور لمواجهة الإرهاب.
ووضح حرص الدول على نجاح هذه التحالف من خلال الحضور، بل والإعلان عن اجتماع لوزراء دفاع التحالف الإسلامي. وهذا يعطي مؤشرات مهمة على التزام الدول المشاركة في هذا التحالف.
وهناك وضوح يمنع أي لغط يدور حول أهداف هذا المشروع إذ أن هناك تأكيداً على أن عمليات التحالف ستكون تحت مظلة الشرعية الدولية. وأن آلية عمل مكافحة الإرهاب بالتوافق والمبادرة واحترام سيادة كل دولة في التحالف.
وتتضح آليات هذا المشروع من خلال الفرق التي تكونت خلال المؤتمر، فهناك المركز الفكري وعليه يعوّل كثيرون في مجابهة الفكر المتشدد، فدائماً ما تتكرر مقولة مجابهة الفكر بالفكر. وهناك الإعلامي الذي يسعى لصناعة التأثير في الرأي العام واستخدام الأدوات الحديثة للوصول إلى الجمهور الأكبر.
والمالي والمهمة الأٍساسية طبعاً هي مكافحة تمويل الإرهاب في كل أشكاله. ويبقى الجانب العسكري التي بادرت السعودية بالإعلان عن تبرعها لإنشاء مركز عمليات في الرياض وتحملت الميزانية التشغيلية لهذا المركز. وهنا يتضح أن المشروع مدروس بعناية ويتكامل من المحاور الأربعة بهدف النجاح في القضاء على الإرهاب.
مشروع التحالف الإسلامي العسكري أوجد أملاً لهذه المنطقة في الخلاص من آفة الإرهاب. ومن الصعب أن يستمر المسلمون في تحميل الآخرين مسؤولية أخطائهم أو حتى إيجاد الحلول لهم. فقد قضينا فترة طويلة من السنين ونحن نتحدث عن نظرية المؤامرة.
بينما تركنا ساحة العمل والمبادرة للآخرين. حتى وصل العالم الإسلامي إلى مرحلة متدنية وربما غير مسبوقة في تاريخه. وأصبح هناك مسؤولية ملحة لتحريك المياه الراكدة، وإيقاظ القوة الكامنة والراكدة في ذواتنا.
صناعة التغيير مسؤولية صعبة ومن يتصدى لها سيجد صعوبات وعقبات كثيرة، لكنه قدر الكبار. فتجارب التاريخ علمتنا أن النتائج الضخمة صنعتها أحلام طموحة. والنجاح يعطي زخماً لنجاحات أكبر، وكما قال غاندي في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر.