عام 2011، كان العام الأهم بنسبة لليبيين وثورتهم التي أطاحوا برئيسهم القذافي، وتغير النمط السياسي المتخلف، الذي كان يسود البلاد منذ أكثر من 42 عاماً، وكانت في هذا العام بداية الحلم بديمقراطية حقيقية، واستبدال النظام الديكتاتوري بأنماط سياسية مختلفة، ولكن كان الخيار للأسف، ما بين بناء وبقاء الدولة، وما بين جعل الدولة مأوى للمنظمات الإرهابية وصراعات أجهزة الاستخبارات الدولية، لتصفية الحسابات المحلية والعالمية.
لم يكن للشعب الليبي خيارات، غير أنهم أصروا على تغيير نظام حكم القذافي المعقد، وغير العادي، والذي أسماه هو النظرية العالمية الثالثة، والذي كان ينادي بالديمقراطية المزيفة، ليلبس شعبه القهر والعبودية، ليتناسى أن هذا الشعب مثله مثل باقي شعوب الأرض، من حقه أن يعيش بحرية وكرامة، فذهب يضع نظريته العالمية الثالثة، في كتاب يشرح فيها مفاهيمها تحت اسم (الكتاب الأخضر).
أشعل فتيل الثورة الليبية، المحامي فتحي تربل، بعد اعتقاله في فبراير 2011، لتوليه قضية مجزرة سجن بوسليم، والتي قتل فيها أكثر من 1200 سجين، بينهم أحد أشقائه وابن عمه وزوج شقيقته، وأغلبية القتلى هم سجناء رأي، ومن ثم، خرجت جموع المتظاهرين في بنغازي، وانطلقت الثورة اللبيبة في 17 فبراير 2011، مطالبين بالقضاء على حكم القذافي المستبد، بعد 42 عاماً من القمع والقهر وقتل النفوس البريئة.
الليبيون الأحرار اليوم، يجتمعون على بقاء واستمرارية الدولة بكل المقومات، ولكن هناك تكتلات السياسية في ليبيا ما زالت متمسكة بالديكتاتورية، وتسعى للسلطة، في الوقت الذي يريد الشعب الليبي حكومة وفاق وطني لتحميه من المنظمات الإرهابية، مثل «داعش»، الذي يهدد بالاستيلاء على ليبيا كلها، وجعلها مركزاً له في شمال أفريقيا، ينطلق منه إلى أوروبا.
تكتلات سياسية في ليبيا لا تتفق، ولا تريد المفاوضات، لا مع الحكومة غير المعترف بها، ولا مع المعارضة، ولا حتى مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، التي وصلت منذ أيام قليلة إلى طرابلس، وللأسف، اليوم في طرابلس، حكومتان غير متفقتين، الأولى تأخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، وهي الحكومة الليبية غير المعترف بها دولياً، وترفض تسليم الحكم، أما الثانية، وهي حكومة الوفاق الوطني، والتي تعترف بها الأمم المتحدة، ورئيسها المهندس السياسي فايز السراج، فتأخذ قاعدة طرابلس البحرية مقراً لها.
حكومة الوفاق الوطني مدعومة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة ومن الأمم المتحدة، وتعمل تحت رعايتها وحمايتها دولياً، لمحاولة تثبيت السلطة في ليبيا، وانتقال الحكم سلمياً، وكذلك أخذت الحكومة تأييداً من أكثر من 10 مدن ليبية، وقد خرجت مظاهرات في طرابلس، تدعو رئيس الحكومة غير المعترف بها دولياً، خليفة الغويل، إلى تسليم الحكم لحكومة الوفاق، ورفعوا لافتات كتب عليها «ارحل ارحل يا الغويل»، و«الشعب يريد حكومة الوفاق».
حكومة الوفاق الوطنية أخذت تأييداً عالمياً من الكثير من الدول، ومن أهم هذه التصريحات، ما جاء على لسان جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأميركية «كل الجهات الأمنية الليبية مسؤولة عن الحفاظ على سلامة أعضاء الحكومة الوطنية في طرابلس».
إنها مبادرة دولية غير مسبوقة، أن تؤيد عدة دول كبرى، تشكيل حكومة لدولة عربية بعد ثورتها، وكذلك الكثير من الأصوات السياسية داخل ليبيا، لم تعارض تولي حكومة الوفاق السلطة، سواء من المعارضة أو حتى أصوات من الحكومة غير المعترف بها، وحتى المليشيات داخل ليبيا، لم تمانع في تولي حكومة الوفاق الوطني تأدية واجباتها، بمجرد تسليمها الحكم، وهذا الاتفاق كان أيضاً عن طريق الأمم المتحدة، كل هذا بهدف التجمع والتفرغ لمكافحة الإرهاب، المتمثل في تنظيم «داعش»، الذي يهدد الدولة كلها، والشعب أيضاً..
إنها فرصة تاريخية أمام ليبيا للخروج من المستنقع وحماية الدولة، وها هي حكومة الوفاق الوطني تستعد، وبمساندة من الدول الكبرى، لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، والذي ينتشر بسرعة كبيرة في الأراضي الليبية، نتيجة لانتشار الفوضى وانعدام الأمن وانتشار السلاح في أيدي الناس في الشوارع.
القوى السياسية في ليبيا، ستأخذ العبرة من الثورة الليبية 2011، ولن تترك لأي جهة أجنبية أن تقرر مصير ليبيا وشعبها، كما حدث من قبل، وستعمل حكومة الوفاق الوطني، على لم شمل الشعب الليبي مرة أخرى، تحت راية الوفاق الوطني ومحاربة الإرهاب.