تنتقل بوصلة الاهتمامات السياسية والإعلامية صوب القاهرة‫.‬ فحينما يصل خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى العاصمة المصرية، فالزيارة في ذاتها تحمل مضامين كثيرة ورهانات كبيرة‫.‬ وهي في نفس الوقت محبطة لكثيرين راهنوا على خلق تباعد سعودي مصري‫ وتمادوا في التقارير والتسريبات لتأتي الكلمة الفاصلة من خلال هذه الزيارة التي وصفها وزير الخارجية المصري سامح شكري بأنها تاريخية.‬

السعودية لديها رؤية استراتيجية لوضع العالم ومستقبله وهي ترى في مصر المحور الأساس في الأمة العربية، وبالتالي فوجود رؤية مشتركة للعالم العربي وخارطة واضحة لحل مشاكله سيكون واحدة من الأجندات المهمة في هذه الزيارة الملكية. ‬

العالم العربي عاش مرحلة انعدام توازن بعد ما سمي بالربيع العربي وحصل اختلال في النظام الإقليمي العربي وهذا الخلل ‬ أوجد فراغات في الفضاء العربي، وأعطت فرصة لقوى إقليمية للتمدد في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية‫.‬ بل إن القرار العربي لعواصم عربية مهمة أصبح مسلوباً ورهينة لهذه القوى الإقليمية التي انتهزت هذه الفرصة لتنفيذ مشروع توسعي في المنطقة‫.‬ وكانت إيران الدولة التي استخدمت كل الوسائل ووظفت ميليشيات ومولت جماعات لكي تحقق أهدافها التوسعية‫.‬

وكان للسعودية ودول الخليج موقف تاريخي، فالسعودية ودولة الإمارات وبقية دول الخليج دعمت مصر وكان هذا الموقف مفصلاً مهماً في تاريخ المنطقة السياسي، فمصر تاريخيا وحاضرا هي العمق الأساس للعرب ووجود مصر قوية يعني أن العرب بخير‫.‬

وتأتي زيارة الملك سلمان لتعطي نقلة نوعية للعلاقة الخاصة بين السعودية ومصر‫.‬ وتجعل هناك تفاهماً كاملاً بشأن ملفات المنطقة رغم ما يقال من تباينات في بعض المواقف بشأن سوريا، ولكن يتفق البلدان على أنه على السوريين أن يقرروا من يحكمهم بأنفسهم وعلى انسحاب الميليشيات والقوات الأجنبية من سوريا‫.‬

والسعودية تحرص على أن تستعيد دورها في العالم العربي وفي منظمة التعاون الإسلامي التي سوف تعقد قمتها في منتصف الشهر الحالي في تركيا‫.‬ وهي الدولة التي تعيش علاقات متوترة مع مصر‫.‬ بينما السعودية في نهجها السياسي العملي تمتلك علاقات إيجابية مع كل الأطراف، وبالتالي فهي القاسم المشترك في الدفع تجاه تفعيل العمل السياسي المشترك في المنطقة العربية سواء من خلال العلاقات الثنائية أو دعمها لمنظمة التعاون الإسلامي التي يوجد مقرها الرئيسي في السعودية‫.‬

ويرى مراقبون أن وجود تفاهم سعودي مصري تركي سيضع مركز ثقل مهم للمنطقة ويملأ الفراغ بعد تراجع الدور الأميركي وغياب دول عربية مهمة‫.‬ وربما يكون مؤتمر القمة الإسلامي فرصة لتعزيز تقارب مصري تركي، والدولتان هما الأكبر في المنطقة‫.‬

والعلاقة السعودية المصرية لها خصوصية، فالترابط الشعبي بين البلدين قوي ومتداخل تعكسها أعداد المصريين العاملين في السعودية وهي أكبر جالية لمصر، بينما هناك جالية سعودية مقيمة في مصر هذا عدا العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فالسعوديون أكبر المستثمرين الأجانب في مصر وقد وجه الملك سلمان بزيادة الاستثمارات السعودية في مصر إلى ٣٠ مليار ريال‫.‬

ويرافق العاهل السعودي وفد كبير من رجال الأعمال كمؤشر لالتزام سعودي رسمي وشعبي في الوقوف مع مصر ودعمها والثقة في نهجها الاقتصادي‫.‬ وهناك رغبة سعودية لدى القطاع الخاص للتوسع في الاستثمار في مصر ولكن ينتظر السعوديون مزيدا من التسهيلات في الأنظمة واللوائح التجارية المصرية‫.‬ مصر لديها إمكانات هائلة ولكن لم تستغل حتى الآن‫.‬ وإذا استطاعت الإدارة المصرية التخلص من البيروقراطية ومحاربة الفساد فإن فيضاً هائلاً من الاستثمارات ستحضر إلى مصر خاصة من دول الخليج‫.‬

الملفات المهمة في المنطقة واضحة والقاسم المشترك في معظم المشاكل في المنطقة هو التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية‫.‬ وكان يمكن لهذا المشروع أن يشهد مزيداً من التوسع والتمدد لولا عاصفة الحزم التي أوقفت الشهية الإيرانية للتدخل في الشأن العربي‫.‬ ومصر كان لها موقف إيجابي مع عاصفة الحزم، وإن كانت مشاركتها بسيطة إلا أن مضامينها السياسية مهمة‫.‬

الزيارة الملكية تحمل زخما مهما‫ انعكس على اهتمام الشارع المصري بتفاصيل الزيارة‫.‬ وينظر لها بشكل خاص سواء من الفعاليات الشعبية المصرية أو وسائل الإعلام التي تعاملت مع هذه الزيارة بشكل استثنائي‫.‬ واتفقت معظمها أن مسار العلاقات سيأخذ شكلاً مختلفاً بعد هذه الزيارة‫.‬ وعلى مدى تاريخ طويل كان محور الرياض ـ القاهرة هو صمام الأمان الذي يعمل من أجل العرب‫.‬ وتأتي هذه الزيارة لتستعيد وهج هذا التجانس الثنائي ليس لمصلحة شعبي البلدين فحسب بل لمصلحة كل العرب‫.‬