عادت ليبيا إلى الأضواء بعد التطورات السياسية المتلاحقة التي شهدتها أخيراً منذ تشكيل مجلسها الرئاسي من تونس بقيادة فايز السراج، بمبادرة ورعاية من الأمم المتحدة، وتكليفه بتشكيل حكومة وفاق وطني تضم مختلف الأطياف والفرقاء السياسيين المنقسمين حالياً بين حكومتين، إحداهما في طبرق شرق البلاد، والأخرى في غربها في طرابلس (حيث مقر البرلمان).
والمتوقع من الحكومة الجديدة أن تعيد بناء وتوحيد المؤسسات السياسية والأمنية ونزع سلاح الميلشيات لصالح الجيش النظامي للدولة، وهي مهمة ليست بالسهلة وقد تواجه كثيراً من العقبات.
ومن ناحية أخرى، قد تصبح ليبيا ساحة المعركة القادمة ضد تنظيم داعش المتطرف بعد الانتهاء من العمليات العسكرية الجارية التي يقودها التحالف الدولي على مواقعه في سوريا والعراق، والمعروف أن التنظيم يسيطر حالياً على مساحات واسعة من الأراضي الليبية.
ومع هذه التطورات يتجدد السؤال حول الدور المصري حيال الأزمة الليبية وحدود تدخله فيها، لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، فتأمين حدود مصر الغربية لا يمكن أن يتحقق دون استقرار الأوضاع هناك، فمنها تتسلل العناصر الإرهابية وتزداد معها الهجمات على سيناء من الجماعات التكفيرية التابعة لداعش.
ولا شك أن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة بحكم المستجدات على الساحة التي قد تغيّر من موازين القوى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. ولذلك فالقراءة السياسية للوضع الحالي تصبح ضرورية قبل تحديد أي دور إقليمي فيها.
أول هذه المستجدات، تتعلق بمغزى تشكيل المجلس الرئاسي، الذي يعني باختصار إسقاط الرهان على أي من القوى السياسية الممثلة للحكومتين كل على حدة. فبحكم تشابك الصراعات السياسية والقبلية والجهوية (أي الصراع على المدن والمناطق والتي تصل إلى النزاع المسلح) لم تعد هناك إمكانية لتحقيق نصر حاسم لطرف على الآخر.
ثانياً، هو الحضور القوي واللافت للقوى الغربية لدعم الحل السياسي المطروح وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا، التي تعتبر ليبيا جزءاً مهماً وحيوياً لأمنها وأمن البحر المتوسط وللحد من الهجرة غير الشرعية الآتية من شمال إفريقيا.
وهناك تطابق تام في الموقفين، فلم تعد ثمة تمايزات في السياسة الأوروبية عن مثيلاتها الأميركية، بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس وبروكسل، حيال المنطقة.
ولذا شكلت ما يسمى بمجموعة 3+3 (أي ثلاث دول من دائمي العضوية في مجلس الأمن أميركا وبريطانيا وفرنسا وثلاثة من الاتحاد الأوروبي إيطاليا وإسبانيا وألمانيا) لهذا الغرض، وتفرض الآن عقوبات على أي من الشخصيات الليبية التي تعرقل نجاح المجلس في مهمته لتشكيل حكومة الوفاق.
ثالثاً، ما يرتبط باتجاهات القوى الأقليمية وحدود الاتفاق السياسي فيما بينها، فبخلاف تركيا وانحيازاتها لقوى سياسية بعينها منذ البداية، فإن مواقف دول الجوار الليبي تحديداً تونس والجزائر، اللتان شاركتا مصر توجهاتها العامة في ليبيا، إلا أن مواقفهما لم تتطابقا معها، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع القوى الإسلامية وتحديداً الإخوان..
ولم تكن مصادفة أن يلتقي الرئيس التونسي القائد السبسي بممثلين عن هذه القوى تعبيراً عن سياسة احتواء جميع التيارات التي ينتهجها عملياً خصوصاً بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدينة بن قردان من دواعش ليبيا، ولا يراهن الآن إلا على الحكومة الجديدة، وهو نفس الموقف الجزائري..
والدولتان معنيتان مباشرة لنفس اعتبارات الأمن القومي بالأوضاع في ليبيا بل ويضاف إليها أن آلاف المقاتلين في صفوف داعش يأتون من بين مواطنيهما. ولن تخرج المغرب بدورها عن هذا الخط.
يبقى الشق الآخر المتعلق بالحرب على داعش، ولكنها لن تكون منفردة مثلما حدث العام الماضي عندما وجهت مصر ضربة جوية لبعض قواعده رداً على قتله لمواطنيها هناك، وإنما من خلال التحالف الدولي واستناداً إلى قوات »الناتو« المتواجدة هناك.
فقد سبق وأن رفض مجلس الأمن استصدار مصر لقرار بتفويضها في استمرار هذه العمليات أو رفع الحظر المفروض على تصدير السلاح إلى قوات خليفة حفتر الليبية - الذي تدعمه مصر- لاستكمال المهمة، وهو الحظر المفروض إلى الآن.
هذا يعني أن توقيت بداية الحرب المحتملة على داعش ليبيا ستكون مرهونة بقرار التحالف، والمتوقع أن يكون لمصر دور محوري فيها.