ليس من السهل أن تكون زعيماً قوياً في عهد تقدميين عقدوا العزم على الدمار الاجتماعي. ورفض الوصول إلى حل وسط عندما تواجه باستبداد ما يسمى بإصلاح »تقدمي« هو أمر صعب، في وقت يسمح الكثير من القادة لبلادهم بالانزلاق إلى عالم النسيان تحت ستار »خير« يساري أعظم.
وعقب الهجمات الإرهابية التي أقدم عليها تنظيم »داعش« في بلجيكا، والتي أودت بحياة نحو 35 شخصاً على الأقل، وجرح أكثر من 300 آخرين، فتحت الشرطة البلجيكية مدفعاً مائياً في وجه 200 محتج معارض للهجرة كانوا قد تجمعوا بالقرب من نصب تذكاري مؤقت في بروكسل.
وقال رئيس بلدية بروكسل يافان ميور: »أصبت بالفزع لأن بلطجية مثل هؤلاء جاؤوا لاستفزاز السكان في موقع النصب التذكاري الخاص بهم«.
ويبدو أن ميور يجد صعوبة في فهم أن الناس في بلجيكا وعلى امتداد أوروبا، سئموا من نزعة التشدد التي انتشرت تحت نظر المسؤولين العامين الذين يدفعهم التنوع قدماً، والذين أشرفوا على التشظي المتزايد للمجتمع. ومحتجو بروكسل هم الجزء الطافي الأكثر ضجة من جبل الجليد الأكثر عمقاً في السكان.
كيف يمكن للجموع الأكثر محافظة أن تعبر عن استيائها بشكل ديمقراطي، بينما خياراتها الانتخابية مقتصرة على أحزاب تحافظ على الوضع الراهن للتشظي التقدمي، لأن أي شخص آخر يتم تهميشه باعتباره متطرفاً؟
الآن خذ بعين الاعتبار المرشح الجمهوري المحتمل الأوفر حظاً دونالد ترامب، الذي وصف بالخطير لقوله إنه سيبني جداراً على الحدود المكسيكية الأميركية لمنع المهاجرين غير الشرعيين من التدفق إلى أميركا. وأصدر ترامب أيضاً في ديسمبر الماضي، بياناً يدعو إلى »منع دخول المسلمين كلياً إلى الولايات المتحدة حتى يتمكن ممثلو دولتنا من اكتشاف ما الذي يحدث«.
الموقف السياسي واضح: أميركا في ظل رئاسة ترامب سوف تعلم من الذي يدخل البلاد، ويرفض أن يلعب لعبة الروليت الروسية بالأمن الداخلي.
وبالحديث عن »الروس« أخرج الجيش السوري تنظيم »داعش« للتو من مدينة تدمر، والفضل يعود بشكل كبير في ذلك إلى الدعم الجوي الروسي ومساعدة القوات الروسية الخاصة. إلا أن للعالم طريقة عجيبة في إظهار الامتنان تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجهوده في إبادة الإرهابيين القتلة، بوصفه بـ»الرجل القوي«.
ويلقي البعض باللوم على الرئيس السوري بشار الأسد للسماح للإرهاب بالتجذر في البلاد. وهو ما قد يجعل الأسد القائد الوحيد في العالم الذي يعد مسؤولاً عن السماح لعناصر تنظيم »داعش« بدخول بلاده.
وأرادت الولايات المتحدة تنحية الأسد من منصبه، وسلحت ودربت المعارضة لقتال وتعطيل الأسد وجيشه. ولكن سمحت الحملة التي شنت ضد الأسد لتنظيم »داعش« بالنمو سريعاً جداً، بالنظر إلى انشغال الرئيس السوري بنجاته.
أي الأمرين صحيح: هل الأسد دكتاتور باطش أم شخص ضعيف غير مجد؟ ليس أي من هذين الوصفين مناسباً، أياً كان ما يقوم به الأسد للقضاء على تنظيم »داعش«.
ويحاول المنتقدون أيضاً الآن طرح فكرة أن بوتين كان يغذي الحرب ضد تنظيم »داعش« في سوريا، للدفع بالمهاجرين إلى أوروبا. ولكن بوتين ليس مسؤولاً عن صراع استعر في المنطقة قبل سنوات من ظهور روسيا في المنطقة في أواخر العام الماضي، بهدف وضع نهاية له.
وليس خطأ بوتين أن الاتحاد الأوروبي سمح للمهاجرين بالتدفق إلى الدول الأعضاء فيه بأعداد كبيرة. ومع ذلك، فإن من الأسهل لوم »رجل قوي« حتى عندما يلعب دوراً مهماً في محاولة هزيمة »داعش« عن قبول المسؤولية عن سياساتك التي منيت بالفشل.
ومن السهل على القادة تجنب الانتقادات بكونهم ضعفاء ومن الممكن السيطرة عليهم. وفي هذه الأثناء يعتبر الأمر موسماً مفتوحاً بالنسبة للقادة الأقوياء الذين يقاومون ويستنكرون الخطط »التقدمية« الموضوعة وراء الكواليس والمعدة لزعزعة الوضع الراهن، بغض النظر عن مشاعر المواطنين حياله.
الاستبداد لا يأتي في هيئة رجل قوي هذه الأيام. ولكن يمكن أن يوجد في شكل ضعف يضمن التحول السريع وغير الديمقراطي للمجتمع ضد إرادة الشعب.