السيد أوباما: مرحباً بك في الرياض، ونعتز بأنك أكثر الرؤساء الأميركيين زيارة للرياض.
ونحن كوننا سعوديين نعتز بتاريخ طويل من العلاقات مع الولايات المتحدة، ونكرر دائماً هذه الجمل، فنحن شعوب نؤمن بأهمية التاريخ والمبادئ في العلاقات. وربما هي جزء من عقيدة السياسة السعودية.
وحينما نكرر هذا الحديث، ونستذكر تاريخ يمتد لأكثر من ثمانين عام في العلاقات فهذا لأننا نؤمن بذلك، فالعلاقات السعودية الأميركية كانت حجز الزاوية في استقرار المنطقة على مدى عقود طويلة.
وكانت الرياض تعمل على مختلف الصعد من أجل استقرار المنطقة سواء في دعم الدول والعلاقات الإيجابية في المنطقة، أو في محاربة المد الشيوعي أيام الامبراطورية السوفييتية، نعم تاريخ طويل من التحالف الاستراتيجي والعمل السياسي المشترك والتفاهم رغم كل الاختلافات في وجهات النظر على قضايا مختلفة، ولكن كان هناك هامش من التفاهم، الذي يمنع أن تصل الأمور إلى درجة الخلاف الكامل.
أشياء كثيرة تغيرت فخامة الرئيس.
وشكل جديد للمنطقة يتشكل وتموضع جديد لمواقف الدول الكبرى والدول الإقليمية. وتفاجأنا مثل كثيرين غيرنا بتصريحات لك في مجلة ذي أتلانتيك، التي شككت فيها بدولتنا، واتهمتها بتأجيج الصراعات في الشرق الأوسط. ووصفتها بأنها تغرد خارج السرب، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، وللحقيقة حينما قرأت هذه التصريحات فسرتها، كما فسرها كثيرون، أنها لربما تصريحات غير دقيقة.
وتوقعنا توضيحاً يحسم هذه الاتهامات ولكن خاب ظننا بعدما وجدنا أن المسألة تعبر بالفعل عن قناعات رئيس أهم دولة حليفة للسعودية، وأهم صديق ينظر له السعوديون،
لكن سياسة الدول لا تتخذ بناء على ردود فعل على التصريحات، وبالتالي تجاهلتها الحكومة السعودية، بل أكد المسؤولون فيها قوة العلاقات السعودية الأميركية وعمقها الاستراتيجي، ودعني فخامة الرئيس أعبر لك عن رأيي كوني مواطناً سعودياً تفاءل مثل غيره من السعوديين والعرب بتسلمك منصب رئاسة دول كبيرة مثل الولايات المتحدة، وكانت الاحتفالات في دول المنطقة غير مسبوقة، فوجود رئيس مثقف، ومطلع على العالم الخارجي أعطى تفاؤلاً كبيراً للمستقبل، ولكن الأحداث قادت إلى سيناريوهات بعيدة عن الأمنيات ولا نحملكم مسؤولية هذه التطورات، ولكن الانكفاء الأميركي وترك المنطقة بمشاكلها، وجعلها خارج أولوية السياسية الأميركية كان على حساب مستقبل هذه المنطقة، والواقع الصعب التي تعيشه دول المنطقة حالياً، فالمراهنة على الإسلام السياسي كان رهاناً خاطئاً، وتم رفضه شعبياً، فشعوب المنطقة تعلمت من التجارب. وكان لها موقف سواء في مصر أو تونس، وحينما نزل الشعب المصري بمعظمه للشارع يطالب بالتغيير في 30 يونيو 2013 كانت هي الفاصل في التاريخ السياسي المعاصر للمنطقة لنهاية حقبة حركات الإسلام السياسي. والحقيقة أن الأجندة السياسية لهذه الجماعات يتعارض مع مصالح الشعوب، ويهدف إلى تعزيز تمسكهم بالسلطة وترسيخ فكرهم الأيدولوجي.
السعودية دعمت الشعب المصري ووقفت بجواره لأنها أدركت خطورة الموقف، فما يقال في الغرف المغلقة في واشنطن، غير ما يحدث على الأرض في القاهرة وبقية العواصم العربية. ولدينا مثل في ثقافتنا يقول أهل مكة أدرى بشعابها، وهذا ما جرت عليه الأمور سنين طويلة، فكثير من توجهات السياسة الدولية المرتبطة بالمنطقة كانت تمر عبر الرياض، خاصة أنها دولة ليس لديها سياسة توسعية، بل دوماً تسعى لأمن واستقرار المنطقة، وتجنب الحروب والنزاعات.
وإيران هذه الدولة التي تقول إن على السعودية التفاهم معها وأن يؤسسا لسلام بينهما. هي الدولة التي كانت تاريخياً وما زالت تتبنى الميليشيات الإرهابية، وفكرة تصدير الثورة وإيواء الإرهابيين والهجوم على السفارات. هذه الدولة التي تواجه عزلة سياسية في المنطقة وآخر الإدانات التي تلقتها كان الأسبوع الماضي في القمة الإسلامية في إسطنبول، حين اتفقت نحو خمسين دولة على إدانة تصرفات إيران وطالبتها بسياسة قائمة على حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
فخامة الرئيس الخلاف ليس سعودياً- إيرانياً، بل هو خلاف مع سياسات إيران. وهي الآن تعربد في الفضاء العراقي، وأنتم تصلون إلى الرياض هناك الألوف من العراقيين يحتجون ويرفعون بأصواتهم عالياً ضد التدخل الإيراني السافر في شؤونهم الداخلية. والحقيقة أنني أستغرب رغم أن هذه الكلمة بعيدة عن قاموس السياسيين، ولكن أقولها كوني مواطناً سعودياً يحترم القيم والثقافة الأميركية كيف يمكن لواشنطن أن تنفتح على إيران رغم كل سجلها الداعم للإرهاب، كيف يمكن لهذه السياسية أن تساوي بين الحمل والذئب.
السعودية قادت المبادرة في عاصفة الحزم في اليمن لأنها وجدت نفسها في محيط كان من الصعب أن تتركه وتمارس سياسة الانكفاء، وأنتم الذين كنتم تطالبون دول المنطقة بتحمل مسؤولياتها، واستبسل الجنود السعوديون، والإماراتيون، وبقية دول التحالف في إنقاذ المنطقة من سقوط عاصمة جديدة في الفلك الإيراني.
وهي تقود تحالفاً إسلامياً ضد الإرهاب ليس فقط على المستوى العسكري، بل الإعلامي والفكري والاقتصادي، كما أنها تعمل مع شقيقتها مصر وبقية الدول العربية على تكوين القوة العربية المشتركة، وهي تقوم بمسؤولياتها التاريخية ضد الإرهاب.
ونسمع من خلال تسريبات صحافية عن نية الكونغرس الأميركي مشروع قانون من شأنه أن يُتيح تحميل السعودية مسؤولية هجمات الحادي عشر من سبتمبر في المحاكم الأميركية. ورغم أن إدارتكم حذرت من تبعيات هذا القانون إلا أنه يشعرنا كوننا سعوديين بالمرارة من هذه المواقف الغريبة في قلب واشنطن، التي تهدد علاقة تاريخية واستراتيجية.
السعودية يا فخامة الرئيس لا تتبع سياسة الركوب المجاني، وإلا لما كانت قامت بهذه المبادرات. والسعوديون يدركون أن علاقتهم الاستراتيجية مع دولتكم جزء أساس في عقيدة العمل السياسي السعودي، لكن كما يقال رقصة التانغو تتطلب شخصين، وهذا ليس كافياً وحده، بل مطلوب منهما أن يفهما إيقاع بعضهم بعضاً، لكي يكون الأداء ناجحاً.