التسامح هو استراتيجية حياة لا تستغني عنها البشرية، ولا يختلف على أهميتها أحد، لما فيه من أهمية في بناء المجتمعات وترابطها ونشر قيم السلام والتعايش، وهو مفهوم شامل لأسمى الصفات الإنسانية، فهو يتضمن أرقى صور ومظاهر احترام الآخر وحفظ حقوقه وحرياته، والتسامح ممارسة يومية، فالإنسان المتسامح يأخذ بزمام المبادرة إلى حسن المعاملة، ويعيش في محراب التعامل الجميل مع الجميع، ولا يفرض آراءه على الناس، ولا يسيء إلى أحد، وهو صاحب قلب واسع، وشجاعة كبيرة، فهو يعتذر إذا أخطأ، ويعفو إذا أسيء إليه، ولا يترك في قلبه مجالاً للانتقام والأحقاد، ويعود نفسه على دفع الإساءة بالإحسان، والتسامح مفهوم شامل للحياة، فهو يشمل حتى الكلمة الجميلة والبسمة اللطيفة والموقف الإنساني السامي، والتسامح لا يقتصر على مجرد القبول بالآخر، أو احترام حقوقه وحرياته الأساسية فقط، بل يشمل ما هو أوسع من ذلك، فهو يشمل المسارعة الذاتية إلى حسن التعامل مع الآخر في إطار من محبة الخير للبشرية جميعاً.

والتسامح هو صمام الأمان الذي ينزع فتيل الثقافات العدوانية والسلوكيات العدائية والنظرات السوداوية في التعامل مع الأفراد والشعوب، وهو ترياق فعَّال للوقاية والعلاج من أمراض التطرف والإرهاب والطائفية والعنصرية والكراهية والتمييز.

إننا نحتاج في هذا الوقت إلى توليد أفكار وبرامج مبتكرة واستراتيجيات عملية قريبة المدى وبعيدة المدى لسقي شجرة التسامح، لتمتد على أرض الواقع عبر برامج ومظاهر حية ملموسة في كل مناحي الحياة؛ أفراداً وأسراً ومجتمعاً ومؤسسات، ليكون التسامح كالشجرة التي تتغلغل جذورها في أعماق الأرض السحيقة وتمتد فروعها في أفق السماء البعيدة.

يقول سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «علمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط الجديد بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات»، وحرصاً من القيادة الرشيدة على غرس قيم التسامح عيَّنت وزيرة دولة للتسامح في التشكيل الأخير لحكومة دولة الإمارات، في إجراء هو الأول من نوعه على مستوى العالم، والذي يشيد بقيم التسامح محلياً ويعطي رسالة عالمية في التسامح.

ونحن في دولة الإمارات لدينا كل المقومات التي نستطيع من خلالها أن نكون النموذج الرائد في ميدان التسامح، ليس في الشرق الأوسط، بل في العالم كله، فقد تربينا في هذه الدولة على مبادئ التسامح منذ نعومة أظفارنا حتى أصبحت جزءا من كينونتنا وهويتنا الفردية والجمعية، ولدينا حكومة رشيدة سخرت جميع إمكاناتها لنشر التسامح في الداخل والخارج، وديننا الإسلامي الحنيف دين التسامح والسلام واحترام الآخرين، وبناء العلاقات الراقية مع شعوب العالم على اختلاف أديانهم وأعراقهم، ولنا تاريخ مشرق مليء بأرقى مظاهر التسامح الإنساني مع الجميع.

إن العقول والكوادر الوطنية في الإمارات قادرة باقتدار على صناعة منظومة شاملة للتسامح بخامات محلية راقية، وبالاستفادة من مختلف المعارف والخبرات والتجارب الناجحة، لتقدم للعالم نموذجاً متميزاً عالمياً للتسامح، يشار إليه بالبنان، ويدرس في أروقة الفكر والثقافة والسياسة والتنمية، ويُحتذى به في نشر قيم السلام والتعايش في أقطار الأرض، نموذجاً للتسامح نابعاً من جوهر المعدن الإماراتي الأصيل ومن مدرسة زايد الإنسان الكبير، رحمه الله، ومن العقول الإماراتية الوطنية المبدعة.

ما أجمل أن نجعل التسامح إطاراً عاماً لحياتنا، وأن نتدرب دائماً على تنمية المشاعر الإيجابية في داخلنا، فاحترام الناس، والشعور بالآخرين والتواضع لهم وكبح جماح الغضب والكره والحقد يصنع شخصية متسامحة محبوبة، تذوق لذة التسامح، وتُذيق الآخرين حلاوتها.