في صالة المسافرين بمطار أبوظبي، تبدو أرفف الكتب حاملة عنوان «برزة قراءة» في سياق جهد يقوم به المطار بالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة لتوفير الكتاب للمسافرين أثناء انتظارهم. عنوان شيق وجاذب للانتباه، وخطوة صغيرة في حجمها، كبيرة في معناها، عظيمة في مغزاها.

مثل هذه الأعمال ترجمة لتوجهات الدولة نحو خلق ثقافة قراءة حقيقية تستهدف جميع شرائح المجتمع وفئاته. وقد كان تتويج هذه التوجهات في اعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأن رئيس الدولة - حفظه الله - قد وجّه بإعداد قانون وطني للقراءة.

وهذه، بلا شك، رسالة هامة تبعثها دولة الإمارات من خلال قيادتها السياسية لتؤذن ببدء مرحلة لتأصيل المعرفة وبناء ثقافة جديدة أساسها القراءة، وما يصاحب ذلك من تنشيط لحركات التأليف والترجمة والنشر.

ويبدو واضحاً من هذا التوجه، وعلى هذا المستوى من الاهتمام والالتزام، وبهذه الدرجة من الدعم وحشد الطاقات والموارد التي تم الإعلان عنها لاحقاً، أنها جاءت إدراكاً من الدولة بأن هناك تراجعاً مخيفاً على المستويين المحلي والعربي بشأن الوقت المخصص للقراءة ومقدار الكتب والمواد المقروءة.

يكفي أن نشير في هذا السياق إلى تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو والأرقام الصادمة فيه. حيث يذكر التقرير بأن كل 80 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة! وفي المقابل يقرأ الاوروبي 35 كتاباً في السنة، اما معدل الزمن الذي يقضيه المواطن العربي في القراءة فهو 6 دقائق سنوياً، والأوروبي 200 ساعة سنوياً.

وأدى ضعف عادة القراءة إلى ضعف شديد في حركتي التأليف والنشر حيث يبلغ معدل النشر في الدول العربية 6500 كتاب وفي أمريكا الشمالية يصل المعدل الى 102000 كتاب.

هذه الأرقام العربية البائسة كانت دافعاً للتوجيه بإعداد قانون القراءة إضافة إلى حزمة من المبادرات المحفزة لترسيخ ثقافة القراءة في حياة المواطن الإماراتي والتي تم الإعلان عنها، بل والبدء بتنفيذها على الفور.

ووردت ملامحها لدى اعتماد السياسة الوطنية للقراءة. تضمنت هذه السياسة برنامجاً صحياً للتشجيع على القراءة للمواليد الجدد، وتخصيص 3 حقائب كتب لكل مولود مواطن خلال أول أربع سنوات من حياته.

وفي دلالة واضحة على مدى الأهمية التي توليها الدولة لهذا الموضوع، حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بنفسه على إطلاق السياسة الوطنية للقراءة والتي تضم تغييرات في الأنظمة التعليمية والمناهج وتقييم المدارس وأنظمة التعليم العالي بهدف ترسيخ القراءة في مجتمع الإمارات.

كما أمر سموه باعتماد إنشاء الصندوق الوطني للقراءة برأسمال 100 مليون درهم لدعم أنشطة القراءة التطوعية في الدولة.

وتضمنت الخطة الاستراتيجية الوطنية للقراءة 6 قطاعات تضم 30 مبادرة وطنية في قطاعات التعليم والصحة والثقافة والإعلام وتنمية المجتمع. وفي تنوع هذه القطاعات تأكيد على تعدد الشركاء المعنيين ومسؤوليتهم للارتقاء بالقراءة وتعزيزها في المجتمع الإماراتي.

 كما يعكس الاهتمام والدعم اللذان تم الإعلان عنهما قناعة الدولة ومؤسساتها المختلفة بأن هذه المبادرة الرائدة بمحتواها وأهدافها هي الاستثمار الحقيقي في أبناء الوطن ومستقبله، وهي السبيل إلى بناء مجتمع راق ومثقف يكون أساساً لبناء اقتصاد المعرفة، وهي السبيل كذلك إلى إعادة بناء الحضارة العربية التي كان لها شأن عظيم عندما كانت القراءة عادة راسخة لدى أفراد المجتمعات العربية، كما كانت لحركات التأليف والنشر والترجمة سوق زاهرة.

مرة أُخرى، ووسط التشاؤم العربي وبؤسه، تتقدم دولة الإمارات بمبادرة رائدة تحيي الأمل، وتنير الدرب، وتحول التحدي إلى فرصة لتحقيق الحلم العربي عبر العلم والمعرفة وتثقيف الذات.