تعمل جميع دول العالم، مؤسسات وحكومات، على توفير بيئة آمنة للعيش الكريم، وذلك لتحقيق مفاهيم حقوق الإنسان التي عمدت إلى إكساب الأشخاص الحريات التي تمكنهم من حرية التعبير والتصرف.
والنظر إلى الإنسان بصفته الإنسانية المجردة، وهذا أمر حسن، ولا غبار عليه، لكن دعونا ننظر إلى وجه آخر لتبعيات تطبيق هذه الحريات على مجتمعاتنا العربية عموماً، والإسلامية على وجه الخصوص.
لا شك أن مجتمعاتنا العربية، تطمح للوصول إلى سقف الحريات في الرأي والتعبير، إلى ما وصلت إليه دول الغرب، وهذا حق شرعي، ولا شك أننا جميعاً نبحث عن الفائدة لنا ولأمتنا، إنْ صح التعبير، فهل عادت هذه الحريات بالنفع على مجتمعاتنا؟!، ألا تلاحظون أنَّ بتطبيق مبادئ الحريات، تشكلت حالة من عدم الضبط والربط في مجتمعاتنا؟!، وربما سوف يَنتَقِدني الكثيرون، لكنْ في حقيقة وجدانهم، هم يعلمون أنني دائماً أتكلم عن الحقيقة، وإن كانت مُرَّة.
واقع الأمر، يفرض علينا النظر إلى المشكلة بشفافية لإيجاد الحلول، فلو نظرنا إلى حالنا، لوجدنا أن الأب والأم ليس لديهما السيطرة الكاملة على أبنائهما..
ولا يستطيعان توجيههم حال خروجهم عن منظومة الأخلاقيات، خصوصاً حال انحرافهم لميول جنسية مخالفة لديننا وعاداتنا، بل سوف يَقفان أمام عائق الحريات وقوانين حقوق الإنسان، لتمنعهما من توجيه أبنائهما وإرشادهم إلى الطريق السليم، لذا، وجب علينا أن نحدد الحريات، وفقاً لطبيعة الحالة والعلاقة والمنزلة والمكانة التي يحظى بها الإنسان.
من أوجه القصور التي أجدها في مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان، أنها لم «تعطِ كل ذي قدر قدره»، أو بمعنى أصح، لم تمنح الحريات تبعاً للمسؤوليات والأدوار، فلا تعطي للوالدين حقوقاً مغايرة عما تعطيها للأبناء..
فإذا أردنا أن نوجد نظاماً متكاملاً للحقوق والواجبات ونضمنها بالحريات، علينا أن نوازن بين أطرافها، وفقاً لقانون مناسب للجميع، ودعونا نطبق هذه النظرية على علاقة الوالدين والأبناء مبدئياً، إذا حددنا مسؤوليات وواجبات الأب، ومنحناه الحريات ضمن إطار مناسب، وأعطينا حريات للابن أو البنت، على أن تكون متوافقة مع صلاحياتهما ونطاق حقوقهما وواجباتهما تجاه الوالدين، ستتحقق حينها بيئة مناسبة للتعامل بين طرفي التطبيق..
لكن في حال تساوى الطرفان في الحقوق والواجبات والحريات، فستنشأ حالة من عدم التوازن، لأنَّ الوالدين سَيَضعف دَورهما، وبالتالي، سنجد خللاً في منظومة السلطة لديهما، وهذا ما سيجعل الأبناء غير مُنساقين لتربية آبائهم، وسينطبق علينا مقولة «أنا راعي وأنت راعي فمن يحرث المراعي»، الأمر الذي يجعل مجتمعاتنا متفككة أُسَرياً.
القاعدة التي ذكرناها سابقاً، علينا تطبيقها على جميع العلاقات الثنائية في حياتنا، فلا يمكن أن تتساوى الحقوق والواجبات والحريات بين المعلم والطالب، فعند سلب السلطة من المعلم، بواقع منح الحرية للطالب، سنجد حالة من عدم الضبط في المنظومة التعليمية، لكن، إن منحنا المعلم حقوقاً ووضعناها في إطار السلطة التعليمية والتربوية، بعيداً عن العنف، وحددنا حريات الطالب، بما يلزم أدبه واحترامه للمعلم، فإننا سنوجد بيئة صافية مناسبة للتعليم، وهذا ما نبحث عنه في الأساس.
أيضاً، من الواجب تطبيق نظريتنا على علاقة الرجل بالمرأة، خصوصاً داخل الأسرة، فعند تحديد واجبات الرجل تجاه أسرته، ومنحناه سلطة إدارة هذا المكون، ضمن قواعد الأدب والاحترام والإدارة السليمة، أي أعطيناه «قوامته»، وأعطينا المرأة حقوقها الكاملة، ضمن هذا الإطار والمكون، ونحدد للرجل والمرأة، على حد سواء، نطاق مسؤولياتهما..
وأين تكمن نقاطهما الحمراء، التي يجب ألا يتجاوزاها، فإننا سوف نخلق بيئة أكثر تماسكاً وترابطاً، ولو أن منظمات حقوق المرأة لن يعجبها كلامي، على الرغم من أن مضمونه ونتائجه، يعود بالفائدة على المرأة، ويحميها أكثر من الرجل.
قاعدة ربط الحريات بمقدار الشخص ومكانته وظروفه وطبيعته، ستعمل على تقليل الكثير من مشكلات المجتمع، ولا سيما أن مفهوم الحريات المبالغ فيها لم تلقَ نجاحاً حين تطبيقها، ولنترك المثالية والأقنعة على جنب، ولو قليلاً، فمن منا غير منزعج من حالة التخبط في الحريات؟!
في حين لو أننا عملنا على تأصيل المشكلات بين الرجل والمرأة، لوجدنا أنَّ الاثنين يتنافسان في ما بينهما، أكثر مما يتشاركان، والسبب يكمن في أن جميع القوانين والأنظمة، تطالب بحقوق المرأة، حتى فقدنا مكانة الرجل!!، وعلى حساب قيمنا الأساسية المبنية على الألفة والاحترام، ولو فصلنا مشكلات الانحلال الأخلاقي، وانقياد شبابنا للإرهاب، لوجدنا أن السبب الرئيس، هو كسرنا لقواعد الضبط والربط في المجتمع.
فكم هي القصص التي نسمع عنها، عن فتاة تبيع نفسها غير آبهة لأبويها اللذين لا يمكنهما السيطرة على تصرفاتها، ولا حتى بالقانون، فهل هذا من ضمن حقوق المرأة وحفظ كرامتها؟!، أليست لها أم تتألم على حالها؟. فهي أيضاً امرأة ولها حقوقها، فلماذا لم تنلها؟!، لذا، من الأفضل أن نحدد الحقوق والواجبات والحريات، وفقاً للأدوار والمسؤوليات..
فالتعميم والأطر العامة، لا يجديان نفعاً، وسبحانك ربي، ما أقدرك وما أعظمك، فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»، أوجد لنا منهجاً شاملاً ومفصَّلاً، ولو أمعنا النظر في تعريف كلمة «راعٍ» لوجد أنها تحمل معنى (الحافظ والمشرف والرقيب)، وهذا يختصر قاعدتنا المذكورة سلفاً.
إن الهدف من قاعدتنا، هو تأصيل العديد من مشكلاتنا في المجتمع، فلا يجب أن نقف عند حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والعمال، التي وضعت بما لا يتناسب مع مجتمعاتنا ومع واقعنا، ولنعمل على إيجاد منظومة حقوقية إنسانية دينية عربية، تتسم بالحداثة والتطور، وتتناسب مع مجتمعنا العربي والإسلامي، فنحن لنا ضوابط وروابط، علينا أن نحافظ عليها، لا أن نكسرها.