الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها، ويصونها ويحميها من الانحراف، هذا ما نصَّ عليه دستور دولة الإمارات العربية المتحدة.
فالمحافظة على الكيان الأسري أمر مهم، لأن منبع كل فرد أسرته، وهي مدرسته الأولى، فمن المهم أن تكون البيئة الأسرية بيئة صحية مستقرة وصالحة لبناء أفراد واعين مبدعين، تنهج نهج التحاور والتفاهم، وتبتعد عن مظاهر العنف الأسري، الذي يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة تهدد كيان الأسرة أجمع، والزواج علاقة روحية سامية، أساسها الدوام والوئام، وكل من الزوجين عليه واجب المحافظة على هذه العلاقة.
والتعاون على نجاحها، لكي تبحر السفينة الزوجية بأمن وأمان في بحور الحياة، وتتجاوز أي عواصف قد تهدد السفينة بالغرق، ولا شك أن استعمال العنف من طرف الزوج أو الزوجة خطر جسيم يهدد السفينة الزوجية تهديدا مباشرا، وقد يحطمها فتغرق بمن فيها، وقد تتسبب في إلقاء الأطفال إلى الشوارع، وضياع مستقبلهم، ولذلك فلا بد من تجنب هذه المشكلة من أساسها، فالعنف سلوك غير مقبول وغير مبرر.
إذا تفكرنا مع أنفسنا نجد أن الحياة لا تخلو من مشكلات، بل لا بد أن تكون موجودة، سواء كان سببها الزوج أو الزوجة أو الأبناء، فليست هناك حياة بلا مشاكل إلا في عالم الخيال، ولذلك فالمشكلة ليست في وجود بعض المشكلات العادية في الحياة الزوجية، فإن هذا أمر طبيعي، وإنما المشكلة ألا يتم التعامل مع هذه المشكلات بتعقل وحكمة وعلاج مناسب.
والأفظع أن يتم اللجوء إلى العنف والسب والشتم والضرب، وهي أمور تزيد المشكلة اشتعالا، وقد تُحدث شرخا لا ينجبر في العلاقة الزوجية أو في العلاقة مع الأبناء، وقد تكون المشكلة في بدايتها صغيرة يمكن علاجها بسهولة جدا، ولكن التعامل العنيف معها يحولها إلى مشكلة كبيرة يصعب علاجها.
كم هي حالات الطلاق التي نتجت عن العنف في المجتمعات، هي كثيرة، والأطفال الذين يعيشون في جو مشحون بالعنف يتأثرون نفسيا، ويفقدون الشعور بالأمان، ويحرمون من السعادة، وقد ينعكس هذا على دراستهم فيفشلون فيها، ولا يعيشون حياة طبيعية، ويصابون بأمراض نفسية وسلوكية، ويفقدون الأمل، ويكرهون الحياة، وقد يكتسبون من العنف الذي يشاهدونه بين والديهم أو من العنف الذي يمارس ضدهم سلوكيات عنيفة في المجتمع، وينطبعون بطابع العنف في تعاملهم مع زملائهم.
وقد كشفت بعض الدراسات أن الأطفال الذين شاهدوا آباءهم يضربون بعضهم قاموا بممارسة العنف بدرجة أعلى من الأطفال الذين لم يشاهدوا آباءهم يفعلون ذلك، وقد ينعكس هذا السلوك على الأطفال حينما يكبرون ويتزوجون فيتعاملون مع زوجاتهم وأولادهم بمنطق العنف الذي اكتسبوه من المنزل في فترة النشوء، وقد يكون عندهم ميل للاضطهاد وممارسة العنف ضد الآخرين، فيرتكبون الجرائم، ويهددون سلامة الأفراد والمجتمع.
إن علاج هذه المشكلة تبدأ بغرس الوعي لدى الزوجين بخطورة العنف الأسري، وضرورة التزام الحلول الودية للمشكلات، ووجود الرغبة الصادقة من الزوجين في المحافظة على سفينة الزوجية من الانكسار، والإيمان بأن الأبناء أمانة لا ينبغي التفريط فيها، وأن توفير أفضل الأجواء المناسبة لهم حق من حقوقهم اللازمة، فإذا فعلوا ذلك امتلأت حياتهم بالسعادة والأمل.
الغضب سلوك طبيعي في حدوده المعقولة، ولكنه يصبح أداة هدم وتدمير حينما يتحول إلى انفعال هائج لا يمكن السيطرة عليه، وينقلب إلى سلوك عدواني، يجعل الإنسان يمارس العنف تجاه أسرته، ولذلك فالسيطرة على الغضب أمر مهم، وكم من زوج فعل لحظة الغضب أمورا ندم عليها بعد ذلك.
ولكن قد لا ينفعه الندم بعد وقوع المحظور، كما إن ضغوط الحياة وعدم التعامل الجيد معها سبب آخر لإثارة الخلافات الأسرية، وخلق بيئة مهيأة للعنف الأسري، ولذلك فإن على الزوجين أن يديرا ضغوط الحياة بطريقة هادئة، وأن يراعي كل منهما ظروف الآخر، وأن يؤمنا بأنه ما من ضيق إلا ويعقبه الفرج، وأنه مهما طال الليل فلا بد أن ينبثق الفجر القريب.