يطل علينا من جديد شهر رمضان الكريم، بعبقه الفواح، وأجوائه الإيمانية، لينشر شذاه في النفوس والقلوب، وهو كالشجرة الجميلة، متعددة الأغصان والفروع، فأيامه المباركة تملأ بالصيام، ولياليه الزكية تحيى بالقيام، وهناك الأعمال الإنسانية التي تتخلل هذا الشهر الكريم، ويكون لها حضور بارز في حياة الناس، وهناك الخيم الرمضانية المنتشرة في كل مكان، لإفطار الصائمين، وغيرها من المظاهر الجميلة.
شهر رمضان الكريم تكثر فيه العبادات والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن الكريم ليكون هدى للناس، قال الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}، وهو شهر الإقبال على الله، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، حتى صلاة الفجر تكثر فيها الصفوف، وترتفع الروح الإيمانية للجميع، وتزداد هممهم، ويتعرضون لنفحات الله تعالى، فرمضان شهر الرحمة ومغفرة الذنوب والعتق من النيران.
شهر رمضان موسم جليل من مواسم العبادة، يجتهد المسلم فيه قدر ما يستطيع في الطاعات لينال أكبر قدر من الأجر والثواب، ليخرج من هذا الشهر فائزاً رابحاً قد حصل على الحسنات الوفيرة، فهناك فريضة الصيام، وهناك صلاة التراويح، وهناك الليالي العشر المباركة، وفيها ليلة القدر، وهي ليلة مميزة خصها الله بمزايا، وجعل فضلها أعظم من فضل ألف شهر، وهناك قراءة القرآن الكريم، فشهر رمضان هو شهر القرآن، والناس يتسابقون في هذا الشهر للإكثار من الختمات القرآنية، فهذا يختم ختمة، وآخر يختم ختمتين، وثالث يختم أكثر، كلٌّ بحسب اجتهاده وطموحه، والتاجر الطموح يكثر من فعل الخير في هذا الموسم على قدر الطاقة، لينال أكبر ربح ممكن؛ فرمضان باختصار هو تجارة، وموسم ربح مع رب العالمين.
وأيضاً تكثر في الشهر الفضيل الزيارات بين الناس، وتتوطد العلاقات، وتقوى صلة الأرحام والتواصل معهم، وتلتقي الأسر على موائد رمضان، فتزداد المحبة بين الأقارب، وتنتشر أجواء المودة، لتتعانق القلوب، ويتلاشى الخصام بين الأحبة، وثواب هذا العمل عظيم عند الله تعالى، وهو سبب لنيل رحمة الله ودخول الجنة، قال الله عز وجل: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} ثم قال تعالى في بيان ثوابهم الجزيل: {أولئك لهم عقبى الدار}، فما أجمل أن نغتنم شهر رمضان في الإحسان إلى الأرحام والجيران، والتواصل مع الأصدقاء، وأن نستسمح ممن قد أسأنا إليه، فيعود إلى العلاقات جمالها ورونقها.
وفي رمضان تسمو الأخلاق، وتتراحم القلوب، ويمتلئ الوجدان بالمشاعر الجميلة، ويزداد الشعور بالفقراء والمساكين والمحتاجين، كما أن رمضان مدرسة لتعليم الصبر والتحمل؛ فالصائم يمسك عن المفطرات، فتزداد عنده قوة التحمل، وتقوى أيضاً إرادته على ترك السلوكيات السيئة التي كان يفعلها قبل رمضان، مثل عادة التدخين، فمن كان ضعيف الإرادة أمام الإقلاع عن التدخين فرمضان فرصة كبيرة للتغلب على ضعف الإرادة وترك جميع العادات السيئة، كما أن رمضان يعود الصائم على أن يصون لسانه ويحفظه عن إيذاء مشاعر الناس، أو الرد على إساءاتهم بالمثل، فالدين المعاملة، والإسلام جاء ليتمم مكارم الأخلاق، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم».
وفي رمضان تستجاب الدعوات، فهو شهر الدعاء وطلب الحوائج من الله، فما أجمل أن ندعو في رمضان لوالدينا بالرحمة، ولأبنائنا بالصلاح، ولأهلنا بالفلاح، ولدولتنا بمزيد من العز والازدهار، ولقيادتنا الحكيمة بالأجر والمثوبة، وللأمة العربية والإسلامية بالخيرات والبركات، وللعالم كله بالخير والسلام.