الأخلاق منظومة حياة، وشريان المبادئ والقيم، تقود الفرد إلى بلوغ معالي الأمور، وتكسبه جميل الشمائل والسجايا، والنبي صلى الله عليه وسلم هو مدرسة القيم والأخلاق، قال الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم)، فما من خلق جميل إلا ودعا إليه، كالكرم والسخاء والشجاعة والعفو والرحمة والتسامح والتواضع وغيرها، وترجم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخلاق في حياته العملية، وعلّمها لأصحابه الكرام، وورّثها لمن بعده، وجعلها دستوراً لهذه الأمة في حياتها وواقعها، فكانت خير أمة أخرجت للناس، نشرت العلم والمعرفة، وبنت حضارة من أعرق الحضارات وأكثرها تميزاً في جانب الأخلاق الإنسانية العالية، وها هي المجتمعات اليوم تنهل من هذا الينبوع الصافي الذي لا ينضب ولا يتكدر، وتؤسس على ضوئه القيم العليا من التسامح والسلام والوئام والتعايش والتعامل الحسن، فهو ميراث خالد لجميع البشرية، ينهلون منه أعذب القيم الأخلاقية والمبادئ السلوكية.

قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فأصبح صرح الأخلاق في الإسلام صرحاً شامخاً متكاملاً ترفرف فوقه رايات المحبة والسلام لجميع بني الإنسان، وصاحب الخلق الرفيع يتميز في الإسلام بمكانة مرموقة عالية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً».

محمد صلى الله عليه وسلم منبع الأخلاق الحميدة، ومعدن الشمائل الطاهرة الزكية، قالت أم المؤمنين خديجة في وصف أخلاقه: «كلا والله، لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر»، وقال أنس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس»، وقال الحسين بن علي رضي الله عنهما: سألت أبي عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه، فقال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش، ولا عياب ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام».

لقد استطاع نبي الإسلام في سنوات يسيرة بسماحة تعاليمه وعظيم أخلاقه أن يجمع كلمة العرب وغيرهم بعد عهود من التفرق والتمزق، وأن يبعث فيهم روحاً جديدة مليئة بالصفاء والنقاء والإخاء والوفاء والمحبة والتسامح بعد أن عاشوا دهوراً طوالًا في حروب وتقاتل وأحقاد وضغائن، حتى أصبح أحدهم بعد أن يتخرج من هذه المدرسة النبوية يؤثر أخاه على نفسه، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويضرب أمثلة رائعة في أفعال الخير والبر والإحسان، ويبحث عن راحة غيره قبل أن يبحث عن راحة نفسه، قال تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، حتى قدموا للإنسانية حضارة من أجمل الحضارات عبر العصور.