في حياة الإنسان، سواء في القرية أو الريف أو المدينة أو الصحراء وفي كل قارات العالم، مراحل يمر بها، بدءاً من صرخته الأولى حينما يفارق جسد والدته التي حملته تسعة أشهر، واستمرت في رعايته حتى يبلغ الحلم، وإلى أن تقوم إنسانة أخرى برعايته وتحقيق كل متطلباته الحياتية.
من المؤكد أن كل مدينة أو دولة لها ذكريات في حياته وربما تظل عالقة في عقله سواء الباطن أو غيره، وجيلنا الحالي، ممن ذاق الاغتراب وفوائده هو من يدرك أن العالم هو الأم الحنون على الإنسان.
من دبي إلى الكويت إلى بريطانيا، مروراً بالعديد من الدول هي ثمرة العمر، ومنهم تشكلت الشخصية.
كان الخور سواء في ديرة أو بر دبي، هو شريان الحياة فترسوا فيه العديد من السفن من كل بقاع العالم، خصوصاً بعدما تم تعميق الخور بمبادرة من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ذلك القائد الذي قرأ المستقبل حين ذاك، وسار على نهجه أولاده حكام إمارة دبي، وكان المغفور له بإذن الله تعالى يجوب بسيارة كل بقعة في دبي بعد أداء صلاة الفجر، وكان يعرف كل ما يجري في الإمارة من دون الاعتماد على التقارير أو القيل والقال.
أما دولة الكويت فقد كان لجامعتها الفضل لنيل التعليم العالي والمقصود هنا التعليم ما بعد الثانوية العامة، فقد كانت المنارة التي تلقى بها معظم أبناء المنطقة الشهادات العلمية الأولى وهي البكالوريوس، وكان التعليم بها شبه مختلط، وتجد بها معظم أبناء الدول العربية وحتى الأجنبية، وملاذاً لتلاقي مختلف التيارات الفكرية سواء من أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب. والمنظمات الطلابية موجودة، على رأسها الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، فرع الكويت، حيث كانت لها العديد من الفروع سواء في الدول العربية أو الأجنبية، وكان من أنشطها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين وغيرهم.
ومن أبرز أساتذتها الدكتور فؤاد زكريا، وسعد عبدالرحمن، والدكتور عبدالرحمن بدوي، وخلدون النقيب، وخالد الوسمي، ومحمد الرميحي الذي أنشأ مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، والأستاذة نادية البحر، وغيرهم. وكان النظام الدراسي حين ذاك سنوياً، وبعد ذلك تقرر نظام الفصل الدراسي وكنا آخر من نال التعليم السنوي، وفي الوقت ذاته بداية نظام الفصول.
ولعل من معالم تاريخ تلك المرحلة معركة الاختلاط بين الجنسين، حيث قامت مجموعة ممن لا يؤيدون الاختلاط بخوض معركة في الحرم الجامعي، وبرز بشكل واضح حين ذاك أن جماعة الإسلام السياسي لديها تنظيم قوي جداً، ويستخدمون العنف في أساليبهم الدعوية، ولولا تدخل وزارة الداخلية حين ذاك لحدث ما لم تحمد عقباه.
كان السكن الداخلي للطلاب في الشويخ عالماً متشابكاً، فهناك كل الجنسيات سواء العربية أو الأجنبية يلتقون في المطعم لتناول الوجبات الثلاث لمن يرغب أو الشراء من مطاعم الجامعة من كل كلية، ومجلة الاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الكويت.
كان التعليم على مستوى عال من الجودة ومتعدد المجالات من العلوم السياسية إلى علم الاجتماع والاقتصاد والإدارة والتربية. الخ. وكان التخطيط المستقبلي على أجندة معظم الطلاب وهو العمل على نيل الدراسات العليا، سواءً الماجستير أو الدكتوراه وكان ذلك مباحاً في الاتحاد السوفييتي سابقاً، سواء من جامعة موسكو أو جامعة الصداقة، أو الاتجاه نحو أوروبا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وغيرها، أو الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.
وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة تشجع أبناءها على نيل الشهادات العليا، لذلك خصصت خمس سنوات للماجستير وعشرة سنوات لنيل الدكتوراه، وكان بعض الطلاب يستنفدون تلك الفترة كلها، خصوصاً أن الرسوم الدراسية تدفعها الدولة إضافة لمخصص شهري حين ذاك.
ومن حسن الطالع لجيلنا أن القيادة السياسية كانت وما تزال تشجع التعليم، ولعل إنشاء جامعة الإمارات العربية هو دليل واضح على ذلك إضافة إلى أنه فتح المجال لتعليم الإناث ولم يكن معروفاً لدى عامة الناس، أن أساتذة من الذكور يدرسون الطالبات وإلا كان قرار الأهل هو حرمانهن من التعليم الجامعي، وفي الجامعة كانت النسبة بين الذكور والإناث (1- 4)، وحينما تم طرح مساق مجتمع الإمارات كان الهدف منه إلقاء الضوء على المجتمع سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، إضافة إلى النظرة المستقبلية.
هذا جزءاً يسير من حياة إنسان عاش في بعض الدول، إلا أن حنينه للوطن كان الدافع لكل شيء، والعودة إليه حلم تحقق بعد كل سنوات الغربة والاغتراب.