من المهمّ التوقّف عند ما حدث ويحدث في المنطقة العربية وخارجها من أعمال عنف مسلّح تحت شعارات إسلامية، وما هو يتحقّق من مصلحة إسرائيلية، كانت أولاً، في مطلع عقد التسعينيات، بإثارة موضوع «الخطر الإسلامي» القادم من الشرق، كعدوٍّ جديد للغرب، بعد اندثار الحقبة الشيوعية، وفي إضفاء صفة الإرهاب على العرب والمسلمين، ثمّ في ما نجده الآن من عنف بغيض في المجتمعات العربية، وصراعات أهلية.

فلم تكن بصدفة سياسية، أن يتزامن تصنيف العرب والمسلمين في العالم كلّه - وليس بالغرب وحده - بالإرهابيين، طبقاً للتعبئة الإسرائيلية التي جرت في التسعينيات، مع خروج أبواق التعبئة الطائفية والمذهبية والعرقية في البلاد العربية!!

ذلك كلّه يحصل في غياب المفاهيم الصحيحة للمقاصد الدينية، ولاختلاف الاجتهادات في الإسلام، حيث أصبح سهلاً استخدام الدين لتبرير العنف المسلّح ضدَّ الأبرياء والمدنيين، وأيضاً لإشعال الفتن المذهبية والطائفية. وسوء كلا الأمرين يكمّل بعضه بعضاً.

تساؤلات عديدة ما زالت بلا إجابات واضحة، تتعلّق بنشأة تنظيم «داعش»، وبمَن أوجده ودعمه فعلاً، ولصالح أي جهة أو لخدمة أي هدف!. ومن هذه التساؤلات، مثلاً: لِمَ كانت بداية التسمية بما يعنيه ذلك من امتداد لدول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وهي الدول المعروفة تاريخياً باسم «بلاد الشام»؟!، أليس لافتاً للانتباه، أنّ العراق ودول «بلاد الشام» هي التي تقوم على تنوّع طائفي ومذهبي وإثني، أكثر من أيِّ بقعة عربية أو إسلامية أخرى في العالم؟!، ثمّ أليست هذه الدول هي المجاورة لـ «دولة إسرائيل».

وفي هذا العالم المستنفر الآن لمحاربة الإرهاب، تعود «المسألة الإسلامية» من جديد، لتكون في صدارة الاهتمامات الإعلامية في الغرب عموماً، ولتكون عنواناً لأي عمل إرهابي يحدث من قبل أي شخص مسلم، بينما توصف الأعمال الإرهابية الأخرى، التي يقوم بها من هم من غير المسلمين، بأنّها أعمال عنف إجرامية فردية!

إنّ الذين يسوّقون الآن في الغرب من جديد لفكرة الصراع بين الإسلام والغرب، يريدون فعلاً بهذه الدعوة جعل الغرب كلّه بحالة جبهة واحدة ضدّ الإسلام كموقع جغرافي، وقلب هذا الموقع الجغرافي هو الوطن العربي.

لكن هناك في داخل الغرب، قوى تريد التقارب مع العرب والمسلمين، رغم وجود القوى داخل الغرب التي تريد العداء معهم. فهناك في داخل الغرب قوى تتصارع مع بعضها البعض، وهناك في داخل العالم الإسلامي، حروب داخلية على أكثر من مستوى. إذن، ليس هناك جبهتان: غربية وإسلامية، بل هناك كتل متنوّعة، وقوى متصارعة في كلٍّ من الموقعين.

ولقد مرّت الصورة المشوّهة للعرب والمسلمين في الغرب عموماً بثلاث مراحل، فهناك مرحلة ما قبل سقوط «المعسكر الشيوعي»، حيث كان التركيز السلبي على الإنسان العربي تحديداً (كهويّة قومية وثقافية دون التطرّق للبُعد الديني)، من خلال توصيفه عبر الإعلام وبعض الكتب والأفلام السينمائية، بالإنسان الماجن والمتخلّف. وفي هذه المرحلة، جرى تجنّب الحملات السلبية على الإسلام أو المسلمين عموماً، بسبب تجنيد المسألة الدينية الإسلامية في مواجهة «المعسكر الشيوعي»، كما حدث في أفغانستان ضدّ الحكم الشيوعي فيها، وكما جرى في تحريك جمهوريات إسلامية في آسيا ضدّ موسكو الشيوعية، وكما حصل أيضاً في استخدام جماعات إسلامية لمحاربة مصر عبد الناصر.

المرحلة الثانية، التي بدأت بمطلع عقد التسعينيات، واستمرّ فيها التشويه السلبي للهويّة القومية الثقافية العربية، لكن مع بدء التركيز أيضاً على الهويّة الدينية الإسلامية، حيث تجاوز التشويه، العرب، ليطال عموم العالم الإسلامي، باعتباره مصدر الخطر القادم على الغرب، و«العدو الجديد» له بعد سقوط «المعسكر الشيوعي».

في هاتين المرحلتين، لعبت (ولا تزال إلى الآن) الجماعات الصهيونية وقوى عنصرية ودينية متعصّبة ومتصهينة، الدور الأبرز في إعداد وتسويق الصور المشوّهة عن العرب والإسلام. بدايةً، لإقناع الرأي العام الغربي بمشروعية وجود إسرائيل (مقولة شعب بلا أرض على أرض بلا شعب)، وبأنّ العرب شعبٌ متخلّف، ولا يمثّل الحضارة الغربية كما تفعل إسرائيل!. ثمّ أصبح الهدف في المرحلة الثانية (أي في مطلع التسعينيات)، هو تخويف الغربيين من الإسلام والمسلمين كعدوٍّ جديد لهم، وفي ظلّ حملة واسعة من الكتابات والكتب والمحاضرات عن «صراع الحضارات».

المرحلة الثالثة ظهرت عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وما لحقها من أعمال عنفية في بلدان مختلفة، جرت تحت أسماء جماعات متطرفة، وأصبح يُرمز إليها، اختصاراً لمفاهيمها وأساليبها، بجماعات «القاعدة»، رغم عدم تبعيتها لقيادة واحدة، وهذه المرحلة تجدّد نفسها الآن، من خلال ما قامت وتقوم به «جماعات داعش» من إرهاب ووحشية!

ظاهرة «داعش»، خرجت من رحم «القاعدة»، وولدت في وحل جماعات الإرهاب في سوريا، لتمتدّ إلى العراق، وتهدّد مصير معظم دول المنطقة. فالمشكلة الآن، هي لدى من يواجه ظاهرة «داعش» كجماعة إرهابية، ويرفض معالجة أسباب انتشارها في بعض المناطق، وهي أيضاً مشكلة لدى من يراهنون على «داعش»، لتوظيف أعمالها لصالح أجندات محلية أو إقليمية خاصة، بينما هم لاحقاً ضحايا لهذه الأعمال، وسيحترقون أيضاً بنيرانها.