أشهرٌ قليلة تفصل الولايات المتحدة عن موعد الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر القادم، حيث ينتخب الأميركيون رئيساً ونائباً له (كل أربع سنوات)، كما ينتخبون كلّ أعضاء مجلس النواب (كل سنتين)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (كل ست سنوات)، وعدداً من حكّام الولايات الخمسين، إضافةً لانتخاباتٍ عديدة في داخل كل ولاية. وبانتهاء مؤتمريْ الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الشهر الماضي، تدخل حملات معركة الرئاسة الأميركية في أسابيعها الحاسمة حيث أصبح واضحاً الآن للأميركيين الخيارات المتاحة أمامهم.

إنّ المعركة الانتخابية الرئاسية الأميركية هي الآن بوضوح معركة بين نهجين مختلفين في قضايا كثيرة داخلياً وخارجياً. وستبرز في هذه الحملات الجارية عناوين القضايا المختلَف عليها فعلاً داخل المجتمع الأميركي، والتي هي تعكس الصراعات الدائرة منذ وصول أوباما إلى سدّة الرئاسة. لكن أيضاً ستظهر في انتخابات نوفمبر القادمة جدّية الانقسامات الأيديولوجية والاجتماعية لدى الأميركيين، وأولويّة مفاهيم ثقافية ودينية واجتماعية في معايير الكثير منهم لدعم أي مرشّح.

فما رمز اليه انتخاب أوباما من معانٍ هامة في مجتمع أميركي كان قائماً على أصولية «أوروبية – بيضاء - بروتستانتية»، وعلى عنصرية ضدّ الأميركيين الأفارقة واستعبادٍ لهم لقرون طويلة، سيلعب دوراً هاماً الآن في نوفمبر القادم، وفي ظلّ اشتداد الحملات ضدّ المهاجرين الجدد لأميركا وضدّ الإسلام والمسلمين. وإضافةً للعامل الاقتصادي، فإنّ ثلاثة عوامل ستؤثّر الآن في الحملات الانتخابية، وقد لعبت دوراً حاسماً في فوز «الجمهوريين» بأغلبية مجلسيْ النواب والشيوخ، خلال فترة حكم أوباما:

1 – عامل العنصرية الثقافية والعرقية والدينية الذي ينمو ويكبر منذ فوز أوباما بالرئاسة، والذي يستهدف كل أنواع الهجرة لأميركا.

2 – عنصر المال وخاصة الدعم الكبير لمرشّحي الحزب الجمهوري والتيّار المحافظ فيه وقد ساهم في تعزيز دور المال بالعملية الانتخابية قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم تحديد سقف مالي للتبرعات للمرشحين، وبحقّ عدم نشر أسماء المتبرّعين.

3- عامل الإرهاب الذي يحدث في أمكنة مختلفة بالعالم، ومن ضمنها أميركا، والذي ترك انعكاساتٍ سلبية كبيرة على المسلمين في الغرب وساهم في تعزيز قوة اليمين المتطرّف في دول أوروبا وبالولايات المتحدة.

أمّا بالنسبة لثقل الناخبين العرب في أميركا، فإنّ عددهم لا يتجاوز الواحد في المائة نسبةً إلى عدد السكّان الأميركيين. هناك أكثر من 300 مليون أميركي منهم حوالي 3 ملايين عربي يحقّ لهم التصويت، عِلماً أيضاً أنّ ترشيح أسماء من أصول عربية في الانتخابات الأميركية لا يعني بالضرورة أنّها ستكون من مؤيّدي القضايا العربية.

من ناحية أخرى، فإنّ للعرب الأميركيين مشكلة تحديد الهويّة وضعف التجربة السياسية، فلقد جاء العرب إلى أميركا من أوطان متعدّدة ومن بلادٍ ما زالت الديمقراطية فيها تجربة محدودة، إضافةً إلى آثار الصراعات المحلّية في بلدان عربية، وتأثير ذلك في مسألة الهويّة العربية المشتركة.

أيضاً، من المهمّ التمييز بين حالاتٍ ثلاث مختلفة‏:‏ فهناك «أميركيون عرب»، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول،‏ ومعظم هؤلاء لم يعد لهم أي تواصل أو ارتباط ثقافي مع البلاد العربية وقضاياها، ثمّ هناك «عرب أميركيون» وهم الأجيال المهاجرة حديثاً إلى المجتمع الأميركي، لكنها مندمجة فيه بقوّة وتشارك في العمليات الانتخابية، وتقود هي عملياً الأنشطة السياسية والثقافية للجالية العربية،‏ وهناك «عرب في الولايات المتحدة» وهم هؤلاء الذين لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد، وأولوياتهم تختلف تماماً عن الحالتين السابقتين.‏

وبينما نجد أغلب «الأميركيين العرب» غير متواصلين مع البلاد العربية الأم، نرى أنّ‏ الفئة الثالثة، أي العرب المهاجرين حديثاً، غير متواصلة بعمق مع المجتمع الأميركي نفسه،‏ ولكلٍّ من هذه الفئات نظرة مختلفة للحياة الأميركية وللدور المنشود في المجتمع‏.

لكن بغضِّ النّظر عن واقع وظروف الجالية العربية، نجد الآن غالبية ساحقة من الناخبين العرب والمسلمين تقف ضدّ المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، لكنّها لا تجد في هيلاري كلينتون البديل المرغوب فيه، بل ربّما دعمت أعدادٌ كبيرة من هؤلاء الناخبين ترشيح بيرني ساندرز خلال الانتخابات التمهيدية، فبعضهم سيصوّت لصالح مرشّحة «حزب الخضر» الدكتورة جيل ستاين، لكن أعتقد أنّ الغالبية ستصوّت تحت مقولة: ليس حبّاً بكلينتون لكن كرهاً بترامب.

لذلك، ربما يكون من المفيد أن ينشط الناخبون العرب في أميركا لدعم المرشّحين الديمقراطيين لعضوية الكونغرس وبعض حكّام الولايات وفي المجالس المحلية، بينما يُعبّرون عن اعتراضهم على السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون من خلال التصويت لمرشّحة «حزب الخضر»، وأن يحرص الناخبون العرب على التفاعل العميق مع تيّار ساندرز الذي سيواصل أنشطته وحركته خلال الحملات الانتخابية القادمة، بل ربّما بعد الانتخابات، ليكون هذا التيّار قوة ضغطٍ على «البيت الأبيض» وعلى الكونغرس.