يتميز المنصب الرئاسي في روسيا الاتحادية بصلاحيات رئاسية واسعة، وفي فكر الرئيس الروسي بوتين نشاهد تحركات السياسة الدولية الروسية على أرض الواقع، وتتميز شخصية الروسي بوتين بالعناد والمواجهة، فقد شارك بقوة وعناد في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، وقام بتحريك الجيش الروسي نحو شبه جزيرة القرم الروسية وضمها إلى الإقليم الروسي بعد أن صوت وأيد الدوما الروسي قراره، أما بالنسبة لدعم الموقف لنظام بشار الأسد فقد كان الموقف الروسي غير واضح حتى ظهرت حقيقة موقفه تحت ذريعة محاربة داعش والإرهاب في سوريا، واستطاعت السياسة الروسية تسجيل العديد من النقاط السياسية في إقليم الشرق الأوسط الكبير في ظل التراجع السياسي الأميركي والصمت الأوروبي والدعم الصيني الصامت للموقف الروسي، وقد تحدث الرئيس الروسي عن رؤيته المستقبلية لروسيا القادمة تحت رئاسته وهي استعادة الدور المفقود للاتحاد السوفييتي وفرض التأثير الروسي على مناطق النفوذ المختلفة، وقد عانت روسيا من ضعف التأثير السياسي الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، وأصاب روسيا أو الاتحاد السوفييتي السابق حالة من الانحسار، وقد انعكست حالة الانحسار على المستوى الاقتصادي والعسكري والاجتماعي بالإضافة إلى المستوى السياسي، وبدأ الرئيس الروسي بوتين في صياغة بوصلة جديدة للسياسة الروسية الدولية عبر التفاعل والتواجد ومحاولة ملء الفراغ الأميركي أو حالة اللا قرار الأميركي كما في سوريا، يساعده في ذلك حالة الاستياء الشعبي من الموقف الأميركي تجاه بعض القضايا العربية الأساسية كالقضية الفلسطينية، والموقف من الإرهاب، والموقف من إيران، والوضع المصري، والمشكلة الليبية، حيث نشاهد تجاهلاً أميركياً لهذه القضايا وتكتفي واشنطن بالكلمات المطاطة والدبلوماسية والإعراب عن القلق فقط.

استوعب متخذ القرار الروسي هذه العوامل السابقة والتي يبررها الجانب الأميركي بأن الشرق الأوسط وقضاياه هي كالثقب الأسود، حيث لا تنتهي مشكلاته وتزداد تكلفته المالية على الولايات المتحدة، وفي نظرهم أن الشرق الأوسط هو نزاعات مستمرة.

وقد ظهرت إلى الإعلام العالمي الدعوات الأميركية للاستغناء عن نفط الشرق الأوسط والاتجاه نحو النفط الصخري المتواجد في الولايات المتحدة وكندا مما جعل الولايات المتحدة تنسحب بهدوء مريب وتدريجياً من شؤون منطقة الشرق الأوسط وأصبح مبدأ الفوضى الخلاقة غير قابل للسيطرة حسب المعايير الأميركيه.

استغل صانع القرار الروسي هذه التخوفات والتراجعات الأميركية لمحاولة بسط نفوذه التأثير السياسي والاستراتيجي عبر بناء علاقات وثيقة مع أنظمة هذه الدول كالنظام السوري والنظام الإيراني وتأكيد تواجده في هذه الدول مستعداً لتواجد أكبر ليكون قريباً من منابع النفط الخليجية خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة والتي يعتقد الروس أنها مناطق نفوذ أميركية سابقة وعليهم منافسة أو مشاركة الصين وأوروبا بها، ويعتقد صانع القرار الروسي أنها فرصة ليقوم بمقايضة النفوذ الروسي في بعض دول الشرق الأوسط مقابل نفوذه في أوكرانيا المتمردة بوجهة نظره، وهذا التواجد الخجول حالياً هي من مؤشرات وسائل الضغط السياسي الروسي لمحاصرة أوروبا الجريحة وأميركا الغائبة والصين الطامحة، وهي فرصة للروس ليكونوا قريبين من عقد مواصلات الطاقة العالمية وخلافة الولايات المتحدة في هذه المنطقة وسط تمنع خليجي وطموح صيني وقلق هندي وأوروبي.

فهل يحقق الرئيس بوتين حلم الاتحاد السوفييتي السابق في وصول أسطول البحر الأسود البارد إلى مياه الخليج العربي الدافئة وتأكيد تواجده في البحر المتوسط، ننتظر ونرى الخمسة عشر عاماً المقبلة.