هل هناك جدوى للكتابة الآن. السؤال يبدو وكأنه محمول على روح محبطة أو نزعة لليأس، أو رغبة في إشاعته، لكن السؤال مستمر عبر مراحل وعقود زمنية عديدة، طرح في الانتقال من الصحافة المكتوبة إلى الإذاعة، ثم ظهور الراديو الترانزستور، الذي جعل عالمنا قرية عالمية في نهاية عقد الخمسينيات، وفق وصف مارشال ماكوهان.

واشتهر من خلال عديد الباحثين والسياسيين، ومنهم ليستر بيرسون. طرح السؤال في ظل التلفاز، وانعكاساته الاتصالية والتواصلية والاجتماعية، وهل ستؤدي ثورة التلفاز إلى الحد من القراءة، ومن ثم، التأثير النوعي في الكتابة والسرديات، من حيث الأبنية والتراكيب اللغوية، والتخييلات والمجازات.

ومن ثم الأساليب الكتابية في الشعر والقصة والرواية، والكتابة السياسية والسوسيولوجية، بل وحجم الكتابة من حيث طولها أو قصرها.... إلخ!، وفي ظل الثورة الرقمية، وبروز خطاب التغريدات الموجز إيجازاً شديد؟!.

سؤال الكتابة وجدواها قديم، رغماً عن طرحه المتجدد والمستمر، ويعود طرحه لعديد من الأسباب في اللحظة الراهنة، يمكن طرح بعضها، وأبرزها جمود اللغة العربية، كأنساق وبُنىَ ودلالة عن مسايرة التطورات اللغوية على صعيد الكتل اللغوية الكبرى في عالمنا – الإنجليزية والإسبانية والفرنسية – ودخول مئات المفردات والاصطلاحات في العلوم الاجتماعية – الفلسفة والاجتماع والقانون... إلخ – والعلوم الطبيعية، وفي الرقميات، إلى هذه اللغات بمفرداتها عن الإنجليزية.

ضعف متنامٍ للطلب السياسي للسلطات الحاكمة على الكتابة وما تحمله من رؤى، ولغة وأساليب خطابية، على نحو يجعلها بعيدة عن عملية صنع القرار السياسي، وكذلك عن بعض مواقع المعارضة السياسية في البلاد، وهو ما يشير إلى لا مبالاة السلطة والنخبة بالكتابة السياسية، ناهيك عن السرديات الأدبية الأخرى.

إضافة إلى تقلص قاعدة التلقي والاستهلاك القرائي، وتناميها لصالح الاستهلاك الرقمي، التي تتمدد لأنها تلبي عمليتي التلقي، والمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، والضعف اللغوي والتكوين الثقافي للقراء والمتعلمين، على نحو يؤدي إلى الإقبال على الكتابة الرديئة أسلوبياً ومضمونياً، واستبعاد الكتابة الأكثر عمقاً وتركيباً للقلة البارزة من الكتاب.

ومن الأسباب صعود دور الناشط السياسي وخطابه الشعبوي والديني المهجن، وعفويته وميله إلى لغة الشارع على دور المثقف /‏‏‏ الكاتب /‏‏‏ المفكر، على نحو أدى إلى إزاحة الأخير قليلاً عن مواقع التأثير الجماهيري.

ثم ضعف المستوى الثقافي لغالب القراء، بما فيهم أقسام مما يطلق عليهم مجازاً مثقفين وكتاب، أدى إلى بروز ظاهرة عدم القدرة على التمييز والفرز بين الكتابة الجيدة والعميقة ورفيعة المستوى بين الكتابة الرديئة والسطحية والتافهة المسيطرة على الكتاب الصحافية، والكتابة عموماً، حيث يجتاح سوق الكتابة طوفان من الكلام الأجوف، والإنشائية في أردأ مستوياتها، وتراجع أعداد الكُتاب ذوي الأساليب اللغوية الخاصة.

لا شك أن وضعية الكتابة وأنماطها السائدة ورداءة غالبها، يجعل الكتابة الجميلة والعميقة والمتفردة، تبدو محاصرة ومستبعدة وضعف الطلب عليها، على نحو يشيع روح اليأس واللا جدوى، وانعزال الكتاب الباحثين عن الحقائق النسبية، والذين يحاولون هتك الكذب، ومطاردة الفساد، والجهل وعدم الكفاءة.